في تقليدٍ معروفٍ يحدث كثيرا في بعض الملاعب الكروية ، يسقط لاعب فريق معين على أثر خطأ من الفريق المنافس ، فيطلق حكم المباراة صافرته ، ويحتسب خطأ لصالح هذا اللاعب ، فيتجمع حوله كل لاعبي هذا الفريق ليشرحوا للحكم الخطأ الذي أرتكب في حق زميلهم !!، فيهوّلوه ، ويطالبوا الحكم بإعطاء اللاعب الخصم بطاقة صفراء ، أو حمراء إن كان الحكم بالفعل قد أشهر له الصفراء .
تساءلت في نفسي حينها عن الطريقة الهجومية التي يتكلم بها هؤلاء اللاعبين مع الحكم ، بالرغم من أنه - في نظر الكثير - قد أنصفهم وأعطاهم حقوقهم بحسب ما تقضي قوانين اللعبة ، ولكنني لم أنتظر كثيرا حتى أتتني الإجابة من أحد مريدي القهوة التي كنت أشاهد فيها المباراة ودون أن يسمع سؤالي قال: "بيخوفوه عشان ميفكرش يعديلنا فاول تاني" !!! .
بالمثل فعل لاعبو الفريق المنافس ، وفي نفس الحادثة ، و مع أن زميلهم هو المخطئ ، إلا أنهم تنازعوا الحكم من الطرف الآخر ، وجعلوا يحلفون بأغلظ الأيمان أن خطأهم لا يستحق مثل هذا الجزاء ، وبالرغم من أن قرار الحكم نهائي ولا رجعة فيه ، إلا أنهم أصروا أن يضيعوا من وقت المشاهدين أمثالي دقيقتين أو ثلاثة وقد تصل إلى خمسة عشر دقيقة ليوضحوا للحكم خطأه في حقهم.
كررت سؤالي حينها عن ذات الطريقة الهجومية التي يعاملون بها الحكم ، وهم المخطئون ، وأزداد سؤالي فقرة عن سبب إهدار هذا الوقت في عمل لا طائل منه ، ولن يرجع الحكم أبدا في قراره حتى و إن كان مخطئا ، و أيضا لم أحتاج لأكثر من ثانيتين لأسمع الإجابة من أحد مريدي القهوة ولكن هذه المرة من مشجعي الفريق الآخر ليقول : "عشان يخاف يدي علينا فاول تاني " !!!.
لم تقنعني الإجابتين ،إلا عندما بدأ هذا الإرهاب والخوف تدريجيا في إنتاج تأثيره لدى الحكام ، وخصوصا عند إقتراب الكرة من منطقة الجزاء ، فرأينا الحكم يحتسب ضربة جزاء غير صحيحة على الإطلاق للفريق الثاني خوفا من أن "يعدِّي فاول" للفريق الأول ، ويتغاضى تماما عن ضربة جزاء صحيحة للفريق الأول خوفا من أن "يدِّي فاول تاني" على الفريق الثاني .
ما حدث في المباراة ، رأيته يبدأ في الحدوث في مصر هذه الأيام ، فئات إجتماعية مختلفة ، من عمال و موظفين و سائقين و سكان محافظات وإئتلافات وأحزاب وغيرها ، كلها أشعر أنها تحاول الضغط على الحكومة للفت إنتباهها تجاه مشاكلهم فقط، ومحاولة البحث عن ضربة جزاء تخرجها منتصرة من خضم هذه الثورة ، وبغض النظر عن مشروعية مطالبات هذه الفئات من عدمها ، فليس على كل فئة أن تنظر إلى شأنها دون أن تعي شؤون البلاد و الآخريين ، وليس عليها أن تواصل ضغطها إلى حد التخويف من أي خطأ قادم يمكن أن يوضع الحاكم في حرج يجعله (دون أن يقصد) يظلم الآخرين من أجلهم.
وعلى الحاكم أيضا أن يكون قادرا على تحمل كل هذه الضغوط ، وألا يكون متسرعا أو إنفعاليا في إتخاذ قراراته ، كل الأصوات في إذنه سواء ، يستمع إلى أعلاها ليدنيه إن كان على الباطل ، وأدناها لكي يعليه إن كان على الحق ، لا يخشى الجماهير ، و يخشى الله.
ومع ذلك فالحاكم ليس ملاكا منزلا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخطئ أو يسئ التقدير ، بل إن الخطأ وارد ، ولكن الدولة أيضا ليست مباراة كرة قدم لا يمكن للحاكم فيها أن يتراجع عن ضربة جزاء إحتسبها ظلما ضد إحدى الفئات ، بل يجب عليه الغاؤها و الإعتذار عنها في الحال ، وهذا ما قد يجعل الضغط المتزايد من تلك الفئات غير مبررا ، والارتباك في الحكام ضعف في غير محله .
في النهاية ، ننتظر جميعا مباراة تتسم بالروح الرياضية ، يفوز فيها الفريقين و الحكام معا ، والجماهير تهتف من ورائهم عاليا "تحيا مصر" J.
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق