السبت، 1 سبتمبر 2012

يا رب يا قادر .. فك أسر عبد القادر !! ..


في الصباح ، وعند أول لحظة وعي تنتاب عقلي النائم ، استطيع أن أدرك المسافة الحقيقة بين جسدي المسجى على فراشي بعشوائية لا أدرك حساباتها وبين روحي التائهة أو العائدة إليه بعد نوم عميق !!

نعم ، في هذه اللحظة أعلم وبدقة المسافة الكائنة بين هذه الروح وذاك الجسد ، أعلم إن كانت روحي مجرد زائر غريب استضيفه مكرهاً ليدبر لي شئون جسدي ، أم أنها روح عائدة إلى وطنها في اشتياق إلى جسد لا يعلم أيهما من يعيد الحياة إلى الآخر !!.

ليست هي اللحظة الوحيدة ربما ، فأحيانا ما ينتابني هذا الشعور عند فراق عزيز فارقته روحه فأوصلت المسافة بينه وبين جسده إلى نقطة اللا نهاية ، أو ميلاد طفل صغير أرى في ابتسامته ابتسامة روحٍ تلتصق بجسدٍ لا زال عاجزا عن التعبير عن السعادة بمفرده ، أو في نفسي حين يصيبني المرض ، فأرى المسافة تزيد وتنقص بين صبر روحي على جسدي المعتل و جزعها وضيقها به !!.

في كل هذه الأحوال كان ينتابني هذا الشعور فأدرك موقعي على خارطة "يقين" لا قيمة لجسد فيها إلا بقصر المسافة بينه وبين روحه الموكلة إليه !! ، يقيٌن متناثر الأرجاء ، مفتت الأركان بين يقين الإنسان بنفسه ، ويقينه بحياته ، ويقينه بمماته ، ويقينه بقدرته وقدراته ، ويقينه بهذه الأرض ، وبالأسباب التي خلق لأجلها عليها ، يقين لا يوحده إلا يقينه بمبدع جميع هذه الأشياء ، و مسبب هذه الأسباب ، يقين لا يوحده إلا يقينه بربه !.

على خريطة هذا اليقين يتوه الجميع في مسارات معقدة ، يهتم جل الناس -وأنا مثلهم- بمسارهم المهني ، ويعدون فيه عدوا نحو شئ لا يعلمون نهايته ، يتجاهل الجميع مساراتهم الإنسانية ، يختصرونها أحيانا بسطحية مفتعلة في أن تكون طفلا فشابا فرجلا فكهلا !! ، يتعامل آخرون معها بطريقة أكثر تفاعلية فيجعلون منها مسارا لإبنا و ابنة ، يصيران زوجا ترافقه زوجة ، فيصبحان أبا تعينه أما ، لينهيان مشوارهما جدا وجدة !! ، القليل فقط من حاول أن ينظر لتلك المسارات نظرة أكثر عمقا ، القليل فقط من يضع أقدامه على الخطوة الأولى ولا يقفز محاولا اختصار الوقت ، القليل فقط من يبدأ خطواته فطريا فيسير متشككا نحو يقين -أعناه البحث عنه كثيرا- حتى يصبح متيقنا ، القليل منا من يتيقن فلا يجلس ولا يركن إلي يقينه ، وإنما يكمل خطواته ليجدد فيها يقينه مع كل خطوة حتى يصل إلى إيمانه الذي يبتغيه ، القليل منا من يرى مساره الإنساني ما بين فطريٍ فمتشككٍ فموقنٍ فمؤمن !!

البعض يرى في هذا المسار مسارا يشوبه العار والخجل !! ، البعض يستنكر أن يسير أحدا في مسار تنبت في احدى جنباته بذرة الشك !! ، البعض يستنبط أفعاله و أقواله وأفكاره بل حتى دينه من ميراث آبائه وأجداده ، البعض لسان حالهم في كل آثار حياتهم "بل وجدنا آبائنا كذلك يفعلون" ، البعض أخشى أن يكون هذا جوابهم حين يسألهم ربهم يوما عما كانوا يصنعون !!.

البعض قد يحاربني حين أتشكك !! ،وما العيب في التشكك ؟! ، ما العيب في التشكك مادام رحلة للبحث عن الإيمان ؟! ، ما العيب أن تُجرح قدماي و أنا متسلقٌ لقمة في أعلى الجبال ؟! ، ما العيب أن أسأل سؤالا وأبحث له عن جواب ؟! ، ما العيب أن يواجهني الجهل عاجزا فأقف في وجهه مستنفرا ؟!، وكيف يري البعض في تشككي عيبا أكثر مما يروه في جهلهم!!.

ما العيب في أن يبحث الإنسان عما يجمع بين روحه وجسده ؟! ، بين قلبه وعقله ، ما العيب في أن يبحث عن "الحب" جوابا حين يعجز عن أن ينطق به العالمون (أو مدعو العلم) ، الحب الذي يراه البعض عيبا ، ويراه البعض ضعفا ، ويراه الآخرون مُذهبا للوقار ، الحب الذي خافوا منه فخافهم ، وانكروه فتنكر لهم ، وابعدوه فابتعد عنهم ، حتى صارت قلوبهم قاسية ، غير قادرة حتى على حب الله !!

نعم ، حب الله ، فالقلوب التي تعتاد التعبد خوفا ، لا تعرف طعم التعبد حبا ، وكيف لا ؟! ، وهي التي لا تري في الحب شرفا ، ولا تري فيه قوة ، ولا تري فيه مدعاة للاحترام !!، الحب هو المتحكم في مضغة القلب التي بصلاحها صلاح الجسد ، وبفسادها فساد الجسد ، الحب الذي هو الإجابة النموذجية التي لايريدونها ، التي يخافونها ، التي لا تقوى قلوبهم على حملها ، فجعلوا يبحثون عما يضمن لهم النجاح وإن كان بأقل العلامات !!.

ما العيب في أن أجد في الحب جوابا لروحي، فلا تنفك حواسي في البحث عن وسيلة لأصل بها إلى من أحب !! ، أجيب أوامره دون أن افتش عن الأسباب والعلل ، اجتهد في طلب رضاه ، أجاهد من أجله نفسي كما أجاهد من يمنعونني عنه ، اسامح لأجله ، وأقاتل لأجله ، واحتمل لأجله ما لا يقوى على احتماله أي بشر ، ما العيب في أن اجتهد في حبه فيحبني ، فيصير سمعي الذي اسمع به ، ويصير بصري الذي ابصر به ، ويصير يدي التي أبطش بها ، و يصير رجلي التي أمشي عليها !.

ما العيب في أن أري في الجهاد نفسي قبل أن أري فيه غيري ؟! ، ما العيب في أن أري في الجهاد علما وثباتا قبل أن أرى فيه سيفا وحربا ، ما العيب في أن أرى في الإيمان ملاذا للتائهين قبل أراه نعيما للمتقين أو نارا للكافرين ، ما العيب ألا أنظر إلى صلاة أحد ولا صيامه قبل أن أنظر إلى صدق حديثه إذا حدث ، أو أمانته إذا ائتمن ، أو ورعه إذا أشفى !! .

فمن أين لي بصدق حديث أو أمانة أو ورع إذا لم يكن بيني وبين الله لحظة اخلاص في ركوع أو سجود ، وكيف لي أن احافظ عليها إن لم تدمن روحي القرب ممن امتلك ناصيتها ، والقادر أن يجعل منها ومن جسدي كيانا واحدا لست أدري أيهما يسكن في قلب الآخر !.

أنا عبد القادر ، تلك صفتي وليس اسمي ، لا أدري لروحي أرضا غير ملكوت رب السموات والأرض ، و لا أعلم لجسدي قدرة سوى ما منحني أياها ، عشقت المسبب فصرت السبب ، وصار في عيني وفي أذني وفي قدمي وفي يدي ، وصارت طوع يديه قدرتي ، حررني سلطانه ، فأسرتني إليه محبتي ، فبت إذا ضاق الأمر بي ، وفرغت الأسباب من يدي ، دعاه يقيني الدائم الحاضر:

يا رب يا قادر …
فك أسر عبد القادر !!...

ش.ز 

0 التعليقات:

إرسال تعليق