الخميس، 19 مايو 2011

في الثورة .. وتقرير الأقلية ..


 فلنبحث عن تقرير الأقلية ، أتذكرون هذا الفيلم "تقرير الأقلية" "Minority Report" ، كان أول فيلم أشاهده ل (توم كروز) J ، هل شاهدتم الفيلم ؟؟ ، سأحكي لكم مضمونه ، الفيلم تدور أحداثه في المستقبل ، حيث يعمل توم كروز في شرطة (ما قبل حدوث الجريمة) ، تلك الشرطة التي تمتلك القدرة على معرفة الجريمة قبل حدوثها عن طريق آلة متطورة تستخدم في توقعاتها إشارات كهربائية مخية تصدر من أدمغة ثلاث عرافات شابات، يتفنن هو في استباق الجريمة ، والقبض على المجرمين قبل أن تمتد أيديهم إلى ضحاياهم ، الفيلم يسير على ما يرام ، مجرد إبداع بصري و استخدام لأجهزة تكنولوجية حديثة وشاشات كمبيوتر كريستالية وسيارات تمشي على الحائط !!! ، فجأة يكتشف أثناء أحدى تحرياته أنه هو القاتل في الجريمة القادمة، تنتابه الدهشة ، يحاول عابثا إخفاء الأدلة ، يبدأ رحلة الهرب ، والبحث عن مبتكري تلك الآلة ، لسؤالهم عن ثغرة فيها قد تثبت براءته ، تخبره أحدهم ، أن براءته قد توجد في "تقرير الأقلية" ، ذاك التقرير الذي قد يخبر قصة مختلفة عن القصة الأولى ، وهو التقرير الذي يصدر عن أحدى عرافات تلك الآلة ، يذهب كروز لخطف تلك العرافة ، وتستمر المغامرة للبحث عن براءته .



تذكرت الفيلم وأحداثه عندما بدأ الجميع و في وقت واحد في رفض اعتذار الرئيس السابق، وهو لم يعتذر J ، تفنن جميع الكتاب والمسئولين والحزبيين في رفض العفو ( لاحظ العفو وليس الاعتذار على اعتبار أن الاعتذار يعني العفو !!!) ، والتأكيد بأنهم لم يقفوا في الثورة من أجل حفنة أموال يتنازل عنها الرئيس السابق و من ثم يعتذر، و بعدها تستمر الحياه ، أبدا ، كم اشتقنا إلى التحرييييييييييير.

تذكرته أيضا عند الهجوم على الإفراج عن زكريا عزمي (إفراجا على ذمة القضية) ، لتبدأ أجهزة ما قبل المؤامرة تنسج الخيوط ، وتتهم المجلس الأعلى بالتآمر ، وبرئيس الوزراء بالمهادنة والطيبة الزائدة ، وأنهم لم يرو أي تغير منذ أن قامت الثورة ، وان الأمن أختفى و الجوع قادم ، و "الله يخرب بيتكم خربتوها وقعدتوا على تلها" ، ولا حل إلا في التحريييييير .

نفس الفعل قد حدث عندما ظهر خبر على ضفاف نهر الفيس بوك ، أن المجلس العسكري لن يسمح للمصريين في الخارج أن يصوتوا في الإنتخابات القادمة ، فهاج الجميع ، و لم يبادر أحدهم في إنتظار الخبر على لسان المجلس العسكري نفسه لينتقده ، بل بدأ الجميع في ارتداء عباءة الثورة المحتفظ بها بعد إنتهاء الثورة السابقة ، والقرار بالطبع هو  "هيا بنا إلى التحريييييير" .

استباق الأحداث ، و اختلال التزامن الذي كونته الثورة في عقولنا ، جعلنا نجهز عقولنا للعمل قبل وقوع الحدث ، رفض الإعتذار فبل حدوثه ، إصدار الأحكام قبل إنتهاء التحقيقات ، التجهز للثورة قبل تآمر المجلس العسكري عليها !!

وكما كان الحال في الفيلم تماما ، فأجهزة الشرطة  (في الفيلم) التي لم تعد تصدق إلا أجهزة توقعها ، لم تصدق كروز على الإطلاق في تأكيداته أنه "لن" - وأكررها لن وليس لم - يقتل ، ولم تحاول التأكد بأي اسلوب آخر ، أو بوضعه تحت المراقبة على الأقل ، بل استمرت في مطاردته ، والبحث عنه لتنفيذ عقوبة اعدامه على جريمة لم يرتكبها بعد . هكذا صرنا نحن أيضا ، فعقولنا التي لم تعد تملك إلا الثورة والغضب على أي خبر – حقيقة كان أو شائعة - قد يظهر بيننا هنا أو هناك ،لا تجد إلا التحرير ملجأ لها ، لا وجود للتفكير أو التروي ، لا وجود للتأكد وإنتظار البيان الرسمي ، لا وجود لدراسة الخبر ، وما هية قرائنه وحيثياته ، نحن لا نفهم إلا شيئا واحدا (أو قل ليس لدينا القدرة إلا عليه)، التحرير والثورة ، فلم نتعب أنفسنا بهذه الترهات ؟! ، مجرد ميكروباص للتحرير يفي بالغرض !!!.

والسؤال ، ألم نرتضى القانون حكما بيننا ؟!، لم ننشغل جميعا باعتذار وافراج ومؤامرة ، ولا ننشغل بالتأكيد والضغط على سيادة القانون ، نحن لا نريد أعدام مبارك أو عزمي أو غيره ، نحن نريد حكم القانون فيهم ، حتى وإن كان البراءة ، لم لا نقتنع جميعا أن القانون حينها هو المخطئ وليس مبارك ؟!.

وإذا ما أصرت عقولنا على استخدام هذه الأساليب الاستباقية المتطورة ، فهل سنصل في النهاية إلى شيء مشابهة لنهاية الفيلم ، هل سيضطر من نتهمه بالتآمر دائما إلى التآمر فعلا خلال مطاردتنا له بالثورات والاعتصامات ، كما اضطر كروز خلال رحلة هروبه إلى القتل وبنفس الطريقة التي رأها في مرآة مستقبله في الآلة ، هل يمكن حينها أن نلوم المجرم على جريمته ، أم نلوم من طاردته حتى اضطره لفعلها.

تعلو الأصوات هنا وهناك، فمن الغاضبون من يتهمني الآن بأني أفرط في حقوق الشهداء ، وأمنع الثورة من الاكتمال ، و أنني ضد التطهير ، مهلا ، أنا لست ذاك الرجل ، أنا رجل متأكد تماما من أن الشر لن يزول أبدا ، ولو أعدمتم كل من تعامل مع مبارك ، سيبقى الشر موجودا ، ما دام الشيطان يسير بيننا إلى يوم القيامة ، حاكموا الشيطان إن كان بغيتكم التطهير النهائي ، حاكموه وأعدموه ، وحينها إطمئنوا ، فلن تحتاجوا إلى ثورات أو احتجاجات ، فالشر سيكون قد مات !! .

الطريف ،والمؤسف أيضا، أن هناك من يصدر الشائعة ، ومن ثم يهاجمها ، وحين يصدر نفيها ، يسرع فيقول "لقد كانت بالونة اختبار ، ولولا هجومنا عليها لما تم النفي !!!" ، ويشعر بالفخر ، ولا يفكر أبدا في الاعتذار ، أو أنه أخطأ حين ضلل الناس وألهاهم بالحديث عن خبر أصله كان إشاعة. هؤلاء الإمعات ، لا يهمهم إلا أنفسهم و نجاحاتهم، ليست الكتابة لديهم رسالة وأمانة سيحاسبهم الله عليها ، وإنما هي لديهم لقمة عيش يقتاتون بها من غضب الناس وخوفهم ، تماما كمن أستخدم الآلة في الفيلم ليس لتقليل معدل الجريمة ، وإنما لزيادتها وتحويل كثيرا من المسالمين إلى مجرمين بالتفتيش في نواياهم.

كفاكم تفتيشا في صدور النائب العام ، والمجلس العسكري ،و رئيس الوزراء ، و وزير الداخلية  وغيرهم، وتأملوا قليلا في أفعالهم ، ليس من حقكم أن تحاكموهم على نواياهم ، راقبوهم إن شككتم في نواياهم، وإن تأخروا فطالبوهم ، وإن أخطأوا فقوموهم ، ولكن لا تفترضوا نظرية الفساد ، وتعملوا طوال الوقت في البحث عن إثبات لها ، فإن وجدتم ، سيصبحون هم إثبات النظرية ، ولكنكم أنتم من ابتكرها !!  

أظنه من العبث ، وقلة العقل والجنون ، أن نبني أحكامنا وأفعالنا كرد فعل على أفعال لم تحدث بعد ، وإن كنا فاعلين ، فعلينا الأ نغفل  "تقرير الأقلية" ، أو نسبة الخطأ القليلة لأحكامنا تلك ، ولنعلم أن الخطأ الأكبر هو في وجود البريء في السجن ، وليس في وجود المجرم خارج أسواره.

تحياتي

ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق