الثلاثاء، 31 مايو 2011

زفاف ملكي



يوم الخميس 28 أبريل 2011 لم أكن أعرف بالفعل أننا في الغد على موعد مع زفاف ملكي ، لولا تلاسن الفتيات في ما بينهن أمامي ونحن في أرجاء العمل حول هذا الحدث.

لم اعرف عن أي مملكة يتحدثون ، ولكنني لا أظنهم يقصدون غير بريطانيا ، هل جنت الملكة لتتزوج مرة أخرى ؟! ، أم أن تشارلز (ولي العهد) قرر أن يتزوج مرة أخرى بعد كاميلا زوجته الحالية ؟! ، من المستحيل أن يفعل هؤلاء شيء دون أن نعرف ، سألت أحدهن حولي ، أي زفاف هو ؟ ، أجابتني : زفاف ويليام وكيت  ، تظاهرت بالمعرفة J ، ولكن مهلا ، أتذكر هذا الاسم ، سألت جوجل هذه المرة ، هل هو ويليام بن ديانا ؟! ، أجابني بالإيجاب ، ما أسرع هذا الوقت ، أعرف هذا الفتى ، ولا زلت أذكر صورته في جنازة أمه ، ونظرة الحزن والادراك في عينيه ، تجاورها نظرة الحزن وعدم الفهم في عين أخيه الأصغر هاري ، ما أسرع الأيام حقا ، ها قد كبر الفتى و غدا حفلة زفافه الملكي .


ولمعرفتي بهذا الفتى فقط ، ولأنه رسم شيئا ما في داخلي منذ الطفولة ، قررت أن أتابع زفافه.

الأمراء تشارلز وهاري و ويليام


بدلة حمراء عسكرية 
    

كنت ولا زلت عاشقا للحياة العسكرية ، يخبرني الكثير من أصدقائي بأني إن جربتها سأكرهها ، ولكنني لا أهتم بالكره أو الحب ، وإنما أرى في الحياة العسكرية رمزا للانضباط  و الشدة التي نفتقدها في مجتمعاتنا الآن ، ولذا أعجبتني بدلته العسكرية ! ، كما أأعجب الفتيات فستان كيت ،  بحثت عن أصل لها ، فعرفت أنها الرداء الأحمر للحرس الأيرلندي ، فويليام يعمل كولونيلا في الحرس الأيرلندي ، وهو منصب فخري بالطبع ، وهو التالي في ترتيب خلافة العرش البريطاني ، وأصبح قبل هذا الزفاف مباشرة دوق كامبريدج ، لم أستغرب هذا الاهتمام الأعلامي كثيرا ، فهذا هو حال حفلات الزفاف الملكية ، وكان آخرها لأبيه تشارلز وأمه ديانا ، والذي رافقه الكثير من الضجيج الاعلامي ، وقد كان لنا يوما نصيب من هذا الأهتمام الأعلامي ، حينما عرضت وسائل الأعلام البريطانية زفاف ملكي مصري ، وكان عنوان التقرير الزفاف الملكي المصري ، وقد كان زفافا ملكيا حقا ، زفاف ملك مصر الشاب فاروق ، و الملكة صافيناز ذو الفقار أو كما عُرفت الملكة فريدة .



عادات و تقاليد

أجمل ما رأيته في هذا الزفاف هو ذلك العبق الكلاسيكي الجميل ، التمسك بالتقاليد والبروتوكولات الخاصة بالعائلة المالكة ، روح التاريخ المنبعثة في كل خطوة سار فيها العروسان ، بداية من كنيسة ويستمينستر والتي يعود تاريخها إلى أكثر من 900 عام ، والتي توج بها كل ملوك بريطانيا و تمت فيها كل الزيجات الملكية ، مرورا بالعربة الملكية 1902 والتي بنيت للمك إدوارد السابع ، والتي استخدمت أيضا في زفاف والدي ويليام ، نهاية بقصر باكنجهام والذي يناهز ما يقارب ال 300 عام ، وتسكنه العائلة المالكة البريطانية الآن.

تأملت هذا الكم الكبير من التاريخ والعراقة المتمثلة في موكب الزفاف ، والذي بدا لي ولكل من شاهدوه في وسائل الأعلام وعلى الأرض ، ببانورما تذكر الجميع بتاريخ هذا البلد ، والذي لم يتخل عن شيء من جذوره ، ولا من ممتلكاته القديمة ، بل وبنى عليها الحداثة والتطور كما نراها الآن.

كنيسة ويسمينستر


العربة الملكية 1902
قصر باكنهام


تساءلت مازحا ، وأنا أقلب نظري لأشاهد الزفاف الملكي المصري ،  أين هذه العربة التي حملت فريدة إلى قصر القبة ؟!! ، لم أعني بسؤالي العربة بالطبع ، ولكنني كنت أبحث عن أثر لتاريخنا في حياتنا المعاصرة ، هل نحن لا نملك تاريخا مثل هؤلاء ؟! ، بالقطع نملك ، ولكن أين هي عاداتنا وتقاليدنا التي لا زلنا نلتزم بها وتعبر كل التعبير عن تاريخنا القديم ؟! ، أكاد أرى كل يوما بعد يوم تنافس العرب
 في التعولم والتخلص من آثار الماضي ، وكأن الحفاظ على التراث جرما يعني التخلف ، لِم لا أذكر أني رأيت مراسما جمهورية تحتفي وتعتز بأي التراث ؟! ، فلم أرى رئيسا لمصر بعد عبد الناصر يلقي كلمة في الجامع الأزهر، ولا حتى في جامعة القاهرة ، و التي عرّف العالم بتاريخها أوباما حين ألقى فيها كلمته ، لِم لا أذكر للرئيس المخلوع إلا زيارته إلى قبر الجندي المجهول ، وكأن تاريخ مصر كله بدأ منذ عام 1973 !!! ، لماذا لم أره يزور الأهرامات يوما ، ولا قبر الملك فاروق ، ولا ضريح سعد زغلول ، هذا إن كان يعشق زيارة الموتى !!.

أتفهم أيضا أن الأنظمة الملكية أكثر تمسكا بتاريخها من الأنظمة الأخرى ، وأن تعاقب الأنظمة السياسية في مصر ، جعل كل نظام يحاول أن ينصب نفسه المبتدأ في جملة تاريخ الوطن ، و يمحو كل خبر للأنظمة القديمة ، ولكن هذا لم يكن يوما من حق أي نظام ، أن يشوه تاريخ بلاد يحكمها ، وأن يصور للناس أن كل نظام قد سبقه كان مظلما ، وأنه لم يترك بقعة ضوء واحدة تستحق الحفاظ عليها.

محسودة

حاول أن تقنع أمرأة أن تترك عملها بعد الزواج وتتفرغ للأعمال الخيرية ، ربما قد تقابلك عاصفة من الكلمات المتحدثة عن حقوق المرأة و انتقاصك لها ، و حينها أخبرها أن كيت ستفعل !! ، ستعلمك على الفور أن هذه أميرة ، وستشغل منصب دوقة كامبريدج بعد زواجها ، ويوما ما ستصبح ملكة !! . عندها ستعرف أن كل مبررات حقوق المرأة التي تملأ الأركان يمكن أن تنهار عند أعتاب قصر ملكي ! ،  ففي الحقيقة فمنصب كيت الأن هو منصب شرفي ، ليس له أي دور حكومي او سياسي ، وأنها بالفعل ستترك عملها كمصممة فنية ، وستكتفي بالأعمال الخيرية ، حسب ما تقتضي بروتوكولات العائلة المالكة ، وليس هذا فقط ، فالزوجات عادة لا يسافرن إلا بإذن الزوج في مجتمعاتنا ، أما كيت ، فلن تسافر إلا بأذن الحكومة البريطانية !! ،  بالأضافة إلى فقدانها التام لمعنى الخصوصية في حياتها ،  فكل ما تمشيه من خطوات الآن هو شأن عام تمثل فيه العائلة المالكة .

ورغم كل هذا ستراها محسودة من أجل فستانها الجميل و المراسم الملكية التي تظهرها عروسا من الأحلام !! ، هذا الحسد أظنه هو الذي أسقط فريدة وديانا أيضا ، ففريدة والتي كان خالها هو الفنان التشكيلي محمود سعيد  ، كانت بارعة في الرسم ، ولكن واجباتها الملكية صرفتها عن ممارسته ، حتى حدث طلاقها ولأسباب غير محددة ، تردد من أحدها أنها ضجرت من حياة القصر وقيوده  وعدم قدرتها على احتمال حياة المجون والعبث التي كان يحياها الملك فاروق مع رفقائه  ، لتعود إلى الرسم ، وتقيم العديد من المعارض بعد ذلك.

وديانا أيضا ، والتي كان من أحد أسباب طلاقها من تشارلز علاقاته المتعددة خارج نطاق الزوجية مع نساء بريطانيات ، والذي أضطرها إلى الخروج عن القيود الملكية ، ومحاولة الانتقام بفعل المثل ، حتى وقع طلاقهما ، وعادت ديانا إلى كنف أسرتها النبيلة والتي تعود سلالتها الأولى إلى عهد ملك بريطانيا الراحل تشارلز الثاني الذي يعتبر أكبر أجدادها.

والعجيب أن الملكتين اكتسبتا تعاطفا لا نهائيا من الجماهير ، أولا لأعمالهما الخيرة ، و ثانيا لشعور الشارع بالظلم الذي وقع عليهما ، والذي قد أرى - سخريةً - للحسد دورٌ كبير فيه ! .

عودة إلى كيت ، والتي يراهن الكثيرون على أنها و ويليام سيكسران قليلا من قيود بروتوكولات الأسرة الملكية ، فاختيار ويليام لكيت نفسه يعتبر كسرا للقاعدة التي تفرض انتساب زوجته إلى الأصول الملكية ، أي انتماءها إلى بيت ويندسور ، ولكن كيت ولأول مرة ليست كذلك ، وإنما هي من عامة الشعب ، وتزوجت ولي العهد الثاني ، وهذا في حد ذاته تطور كبير في تفكير الأسرة ، غير أن القيود الملكية تزيد حدة كلما اقترب أفرادها من كرسي العرش ، فيبدأ بالتمسك أكثر بالقواعد الملكية على حساب حياته الشخصية ، وهذا ما يسبب بالطبع بعض المشاكل لبعض الأميرات المحسودات !.

مملكة وملك وملكة

"كل زفاف هو زفاف ملكي"
هكذا قال أسقف لندن ريتشارد شارتس في خطبة زواج ويليام وكيت ، ولم يكذب الرجل ، فهذا الميثاق الغليظ ليس أقل من أن يوصف بالملكية ، لا يفرق فيه بين الأمراء وغيرهم ، يكفيك أن تزف في سيارة أبيك العتيقة لتشعر أن زفافك ملكيا ، أو أن تعقد قرانك في مسجد أو كنيسة قديمة ، أو على يد رجل دين عقد قران كل زيجات عائلتك لتشعر أن قرانك ملكيا ، أو أن تعلن بيتك بيتا للعائلة وتعهد به لأبناءك كي لا يبيعوه لتجعل بيتك ملكيا ، كلها أشياء لوجيستية ، تصنع مملكة بلا ملك و لا ملكة ، و دورك أن تتقمص دور الملك فتشعر بمسئوليتك تجاه تلك المملكة ، و تتحمل القيود التي تفرضها عليك ، وقبل هذا كله ، أن تقدم وردة إلى زوجتك كل صباح لتشعرها بأنها ملكة !.


تحياتي


ش.ز







0 التعليقات:

إرسال تعليق