السبت، 6 أغسطس 2011

رمضات 6 : وأهلها مصلحون


وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴿۱۱۷﴾هود

وليس المصلحون كالصالحون ، فقد نهلك و فينا الصالحون كما قال الرسول في حديثه الشريف :

"عن زينب بنت جحش رضى الله عنها ان النبى صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول:لا اله الا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق باءصبعيه الاءبهام والتى تليها قالت زينب بنت جحش يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:نعم اذا كثر الخبث."


إذن قد نهلك وفينا الصالحون ، ولكننا لن نهلك وفينا المصلحون ، فالله لا يهلك القوم بالكفر فقط ، حتي يصبح هذا الكفر مفسدا ومخربا كما أكد الطبري في تفسيره للآية :

"(وأهلها مصلحون) أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق، أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان"

إذن فالإصلاح وإن اختلفت أشكاله هو الوقاية من هلاك الله ، بداية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، نهاية بمجرد كف شرور النفس عن الناس ، كل فرد بمقدار قوته وما تملكه يداه ، وبقدر ما استطاع اصلاحه في نفسه أولا ، فمن لم يملك إصلاح نفسه ، لم يملك إصلاح الناس ، قال تعالى على لسان شعيب عليه السلام :

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴿۸۸﴾هود

وليس من الإصلاح -كما قد يظن البعض- هو منع الناس عن فعل المعاصي والذنوب ، ولكن الإصلاح هو منع تلك المعاصي من الإندماج في المجتمع والتخفي بين معاملاته حتى تصبح جزءا منه لا يمكن فصله ولا يمكن العيش بدون ارتكابها يقول الغزالي :

"المعصية العابرة لا تدمر المستقبل ، إنها تولد لتموت ، وقد يلحقها الندم ما يمحو لها كل ذكرى حسنة . بل ربما كان ((لقاحا)) يحصن من الوقوع في مثيلاتها ، فنفعت من حيث ضرّت!.
إن المعاصي التي تهلك الأمم هي التي تستقر في النفس ولا تعبرها ! تستقر في النفس لتكون جزءا من المجتمع الكبير ، لعلها تتحول إلى تقليد متبع أو إلى تشريع قائم ، فيكون البعد عنها مستغربا والنهي عنها جريمة !! .
وتدبر كلام قوم لوط :
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴿۸۲الأعراف
لقد أمسى التطهر منكرا والتدنس مألوفا."[1]

و كما أن الهلاك يحتاج لانعدام الصلاح والإصلاح معا ، فالنجاة تحتاج لاجتماعهما ، فليس منع الهلاك هو النجاة كما قد يظن البعض ، وإنما منع الهلاك هي منحة من الله وفرصة للعودة إليه ولكن النجاة لا سبيل لها بدون صلاح ، بل إن الصلاح الحقيقي هو ما يدعوا إلى الإصلاح يقول تعالى :

وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ﴿۵۲﴾هود

فمجرد الإستغفار والتوبة كافيتين لكل هذا الخير والنعمة من رب العالمين ، ولكن ليس بمفردهما ، وليس لمن لا يعمل ولا يملك القوة التي يزيدها الله قوة إذا ما إزداد صلاح أهلها.

استغفر الله وأتوب إليه.

ش.ز

المصادر
[1] نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم – محمد الغزالي 

0 التعليقات:

إرسال تعليق