سيدي
القاضي
حضرات
المستشارين
دعوني
أبدأ بداية تقليدية ، ولعلها قد تصيبكم
بالملل بعض الشئ ، مثلما قد تصيبني تماما
إذا ما كنت يوما في موضعكم هذا ، موضع
الحكم ، موضع العدل والإنصاف ، ولكنني
الآن وأنا أقف أمامكم في موضع المدافع عن
متهم ينتظر حكمكم العادل ، أجد أن التعريف
بنفسي وما هية موكلي هو شيء لابد أن أبدا
به هذه المرافعة.
أقف
أمامكم اليوم سيدي القاضي مدافعا عن هذا
المجلس العسكري ، متطوعا ، فهو بكل أفراده
لم يطلبوا مني هذا الطلب ، لكنني وجدت أنه
من أساسيات الحرية التي ينادي بها متهموه
ـ وهم ثوار يعرفون معنى الحرية ـ أن يجد
المتهم من يدافع عنه حتى وإن كان مذنبا،
أكرر حتى وإن كان مذنبا ، فأنا أقف أمامكم
مدافعا عن المجلس العسكري ، ولست مدافعا
عن الشيطان ، ولذا فلست هنا لأبرر لموكلي
أخطاءه ، بل لأؤكدها ، ولكنني أيضا أقف
هنا لأنفي عنه تهما باطلة ألصقت به ،
ألصقها به أناسا مكانه هو مثله في قفص
الإتهام الآن ، وربما حينها قد أصبح أيضا
ذات المدافع عنهم أمام عدالتكم .
سيدي
القاضي ، هؤلاء أعضاء المجلس العسكري
الماثلون أمامكم ليسوا ملائكة منزلون ،
وليسوا هم المنزهون الذين لم تصيبهم أمراض
تعمد النظام سابق أن ينشرها في كل مؤسساته
قبل أن ينشرها بين أفراد شعبه ، هذا المجلس
العسكري لم يكن أبدا مع الثورة منذ بدايتها
كما يردد دائما ، بل كان يقف موقف الحياد
السلبي المنتظر لمن ينتصر حتى يوليه
الشرعية ، هذا المجلس العسكري كان ممن
غضوا الطرف عن أفعال مبارك ، ولم يعمدوا
ـ رغم قدرتهم ـ إلى تغيير الصورة القاتمة
لوطن كاد أن يحتضر ، و في الحقيقة فأنا لا
أعرف نواياهم ، ولست هنا يا سيادة القاضي
لأفتش فيها ، ولكنني هنا لأذكر الحقائق
التي لن ينكروها ، ولأذكر أيضا أن هذه
الأخطاء وإن عظمت فهي لن تلغي أبدا دورهم
الوطني الذي قاموا به يوما ما في الدفاع
عن هذا الوطن ، ولكنها أيضا أفقده بعضا
من بياضه وتألقه الذي كان !.
هذا
المجلس أيها القاضي ، ومنذ بداية الثورة
، مثله مثلنا جميعا ، فيه من هو مساند
للثورة منذ يومها الأول ، وفيه من يعارضها
و لا زال يرى في النظام السابق النظام
الأمثل ، وفيه أيضا سيدي من يحاول ركوبها
، والتسلق عليها ، هو مثلنا سيدي القاضي
، يواجه نفس الصراعات التي نواجهها ، تحاك
بداخله المؤامرات ربما ، تحاك عليه
المؤامرات ربما ، ولكننا أتساءل لم يقف
هذا المجلس وحيدا في القفص ليستتر ورائه
الأخرون ممن يحيكون المؤامرات و من يعادون
الثورة و من يحاولون ركوبها ، لم تلصق به
كل اتهاماتهم وكأنه هو الذي صنعهم ، وهو
الذي حرضهم وهو الذي يحركهم ، لم أصبح هو
الفاسد الوحيد ، والدكتاتور الوحيد ، أين
صناع الفراعنة الذين لم ننتهي من هدم
تمثال فرعونهم القديم حتى بدأوا في
الالتفاف حول المجلس لجعله تمثالهم الجديد
، لم لا يوجه أي اتهام لهؤلاء وهم ولا شك
أصل المرض وأصل الفساد !!
،
أعرف أن هذا لا ينفي التهمة عن موكلي ، بل
سيؤكدها ، لكنني أتساءل ، لم نحمل شخصا
واحدا كل الذنوب التي نرتكبها نحن ، وهل
إذا فعلنا فقد تطهرت قلوبنا ، أم سيزيدها
ذلك خبثا تخبئه القلوب ؟؟!!
يقولون
سيدي القاضي أن هذا المجلس العسكري يريد
السلطة ، ويطيل في أمد تسليمها ، ولست
أدري حقيقة كيف يتهموه ، فهم في الحقيقة
من يحاولون إيقاعه في هذه اللعبة ، ففي
البداية أعلن موكلي عن نيته في تسليم
السلطة في ستة أشهر ، ، وقرر تمرير تعديلات
في الدستور المصري لا تضمن إلا إقامة
انتخابات عادلة ، فثارا جميعا ، وأعلنوا
رفضهم لهذه التعديلات ، وأقاموا الحملات
، وحشدوا المليونيات حتى بعد أن أعلنت
نتيجة الإستفتاء موافقة أغلبية الشعب
على هذا الطريق ، فانصاع لهم ، وقرر أن
يسقط العمل بالدستور ، و العمل بإعلان
دستوري يقيم الإنتخابات التشريعية (الشعب
والشورى معا)
في
موعدها على ثلاث مراحل ومن ثم تأتي
الإنتخابات الرئاسية ، فثاروا أيضا ، كيف
لنا أن ننتخب المجلسين سويا ، هذه بشائر
التزوير !!
،
وكيف نقيم الإنتخابات الرئاسية دون دستور،
وكيف من الأساس يكتب مجلس شعب منتخب
الدستور ؟!!
،
و أقيمت المليونيات وأشعلت القلاقل ، بيد
من لا أدري سيدي القاضي ، ولكنها أشعلت ،
فاستمع للأسف هذا المجلس العسكري إلى
نصائحهم كلها ، وفصل انتخابات الشعب
والشورى ، وأجل الإنتخابات الرئاسية إلى
ما بعد كتابة الدستور ،و أكد أنه سيعمل
على كتابة وثيقة ارشادية لاختيار الجمعية
التأسيسية للدستور ، وبدلا من أن يتحد
هؤلاء لينجحوا هذه الإنتخابات وليقروا
مسودة جاهزة للدستور لا يستغرق اتمامها
والإتفاق عليها من اللجنة التأسيسية أكثر
من شهر لتبدأ الإنتخابات الرئاسية سريعا
، جعلوا يتصارعون فيما بينهم ، ويحيكون
المؤامرات ويستعنون بهذا المجلس على
بعضهم ، ليطالبه الآن بعضهم بعكس ما طالبوه
سابقا ، أن تتم الإنتخابات الرئاسية قبل
كتابة الدستور ؟؟!!
فليكن
، يتهمونه أيضا بتكميم الأفواه ، وإخراس
الألسنة وتصفية الثوار ، ولست أدري ، أين
هذه الآلسنة المخرسه ، وهم يشتمون في
المجلس ليل نهار ، لم يطالبون دائما بهذه
الحرية التي تسمح لهم بالسب والشتم
والإدعادات الباطلة (حتى
المحبوس منهم)
،
ومن ثم عندما يحاكمهم المجلس بقانون مدني
يسمح له بتحويلهم إلى القضاء العسكري ما
دام أحد أطراف القضية شخص أو مؤسسة عسكرية
(قانون
٢٥ لسنة ١٩٦٦)
،
يصرخون بلا للمحاكمات العسكرية ، وجعلوا
يتناسون تجاوزاتهم ، ويقارنونها بجرائم
مبارك ، وما دامت أقل منها، و مادام مبارك
يحاكم مدنيا ، ويجلس في مركز عالمي ،
فالمجلس العسكري يظلمهم ، ويعمل على إجهاض
الثورة التي هم أبناءها البكر !!
.
فليكن ، وهم يقولون أيضا أن المجلس لا يزال يمارس الانتهاكات ، من كشف للعذرية ، لانتهاك الأعراض ، يتداولون فيما بينهم الإعترافات من جانب واحد ، يقيمون المحاكم و يصدرون الأحكام ، ولست هنا لأنكر ما يقولون ، فلست من يقع في أخطائهم ، فكما أسلفت سابقا فهذا المجلس ليسوا هم الأطهار المقدسون ، وفيهم من يحاول بالفعل إشعار الجميع أن النظام لم ولن نتغير ، وربما كانت هذه وسيلتهم ، ولكنني أتساءل مثلا لم يلصق اتهام كتعذيب مواطن قيد الحبس (محمد عطا) بالمجلس العسكري بلا أي دليل سوى تقرير حقوقي استند إلى أقوال مشكوك فيها ، وتم نشر الإتهام في كل مكان ، في حين أنه عندما تم نشر تقرير تشريح الجثة والذي أثبت خلو جسمه من أية آثار للتعذيب ، لم يذيعه أحد ، بالرغم ن أنه صادر عن أطباء ثوريين ؟؟!! .
فليكن
أيضا ، وبعد أن تفرغ اتهاماتهم أيها القاضي
، يعودون إلى الوراء، فيلصقون قتل خالد
سعيد بالمجلس العسكري ، و قتل المتظاهرين
بالمجلس العسكري ، وغرق العبارة أيضا
بالمجلس العسكري ، ولا بأس فأزمة السولار
أيضا سببها المجلس العسكري ، الأزمة
الإقتصادية بسبب المجلس العسكري ، وجهل
البعض بدينهم سببه المجلس العسكري ، و
اعتصام العاملين والمطالب الفئوية سببها
المجلس العسكري ، حتى جهل أهل دمياط
الخائفون من مصنع مفكو بسبب المجلس العسكري
!!.
وننتهي
بالإتهامات الخارجية ، فالمجلس الأعلي
إن لم يكن مواليا لمبارك ومدافعا عنه ،
فهو مواليا لأمريكا ، ومدافعا عن أمن
إسرائيل ، لن أحاول أن أدفع هذا الإتهامات
بالطبع أيها القاضي ، فأنا لا أملك
المعلومات ، لكنني أريد أن أعرف أيضا من
أين أتت معلوماتهم ؟!.
لا
دليل ، كل ما أستطيع أن أقول سيدي القاضي
هو لا دليل ، فكل هذه الإتهامات وإن صح
بعضها ، فلا دليل عليها سوى شعور مرضي
بالاستبداد توارثته جينات هؤلاء المدعين
، يملكلون الإدعاء ولا يملكون الدليل ،
وليس في أي دين أو شرع أو قانون ما يقيم
لادعاء لا دليل عليه أي قيمة تذكر.
أعلم
جيدا سيدي القاضي ، كما أظن أن هذا معلوم
للجميع ، أن هذا المجلس العسكري ليس الأفضل
لقيادة البلاد ، ولكنه الأجهز لها ، واتحدى
من يستطيع أن يوجد بديلا له ، وأعلم جيدا
أن هذا المجلس لن يتخلى عن دوره التاريخي
ـ والذي يدفعونه دفعا للتخلي عنه ـ في
إيصال سفينة هذه البلاد إلى بر الأمان ،
وهو أيضا لن يلوث ذات التاريخ بسرقة ثورة
لم يشارك فيها ، ليس لأنه غير طامع في بعض
ثمارها ، ولكن لأنه أكثر حرصا على دخول
تاريخها من أوسع الأبواب.
هذه
الثورة لم تولد برأس ولن يلد لها رأسها
سوى جسدها و هو الشعب ، وعن طريق انتخابات
حرة نزيهة ، سيقيمها هذا المجلس شاء أم
أبى ، وليس لنا إن نحاسبه إلا إن لم يفعلها
بإرادته الحرة ، وليس إن منعناه أو أخرناه
نحن بتخاذلنا أو بتآمرنا ضده أو ضد بعضنا
باستخدامه.
وفي
النهاية فلست أطلب البراءة لموكلي فبما
أخطأ ، ولكني أطلب إنصافه فيما اتهم به
باطلا وبلا دليل ، وإن كنت مطالبا بإدانته
بمحاولة إرضاء الجميع والتي سمحت بدورها
لرويبضة القوم بالكلام.
أشكركم
علي حسن إنصاتكم.
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق