الجمعة، 18 نوفمبر 2011

مدافعا عن المجلس العسكري .. ولست مدافعا عن الشيطان ...


سيدي القاضي
حضرات المستشارين

دعوني أبدأ بداية تقليدية ، ولعلها قد تصيبكم بالملل بعض الشئ ، مثلما قد تصيبني تماما إذا ما كنت يوما في موضعكم هذا ، موضع الحكم ، موضع العدل والإنصاف ، ولكنني الآن وأنا أقف أمامكم في موضع المدافع عن متهم ينتظر حكمكم العادل ، أجد أن التعريف بنفسي وما هية موكلي هو شيء لابد أن أبدا به هذه المرافعة.

أقف أمامكم اليوم سيدي القاضي مدافعا عن هذا المجلس العسكري ، متطوعا ، فهو بكل أفراده لم يطلبوا مني هذا الطلب ، لكنني وجدت أنه من أساسيات الحرية التي ينادي بها متهموه ـ وهم ثوار يعرفون معنى الحرية ـ أن يجد المتهم من يدافع عنه حتى وإن كان مذنبا، أكرر حتى وإن كان مذنبا ، فأنا أقف أمامكم مدافعا عن المجلس العسكري ، ولست مدافعا عن الشيطان ، ولذا فلست هنا لأبرر لموكلي أخطاءه ، بل لأؤكدها ، ولكنني أيضا أقف هنا لأنفي عنه تهما باطلة ألصقت به ، ألصقها به أناسا مكانه هو مثله في قفص الإتهام الآن ، وربما حينها قد أصبح أيضا ذات المدافع عنهم أمام عدالتكم .


سيدي القاضي ، هؤلاء أعضاء المجلس العسكري الماثلون أمامكم ليسوا ملائكة منزلون ، وليسوا هم المنزهون الذين لم تصيبهم أمراض تعمد النظام سابق أن ينشرها في كل مؤسساته قبل أن ينشرها بين أفراد شعبه ، هذا المجلس العسكري لم يكن أبدا مع الثورة منذ بدايتها كما يردد دائما ، بل كان يقف موقف الحياد السلبي المنتظر لمن ينتصر حتى يوليه الشرعية ، هذا المجلس العسكري كان ممن غضوا الطرف عن أفعال مبارك ، ولم يعمدوا ـ رغم قدرتهم ـ إلى تغيير الصورة القاتمة لوطن كاد أن يحتضر ، و في الحقيقة فأنا لا أعرف نواياهم ، ولست هنا يا سيادة القاضي لأفتش فيها ، ولكنني هنا لأذكر الحقائق التي لن ينكروها ، ولأذكر أيضا أن هذه الأخطاء وإن عظمت فهي لن تلغي أبدا دورهم الوطني الذي قاموا به يوما ما في الدفاع عن هذا الوطن ، ولكنها أيضا أفقده بعضا من بياضه وتألقه الذي كان !.

هذا المجلس أيها القاضي ، ومنذ بداية الثورة ، مثله مثلنا جميعا ، فيه من هو مساند للثورة منذ يومها الأول ، وفيه من يعارضها و لا زال يرى في النظام السابق النظام الأمثل ، وفيه أيضا سيدي من يحاول ركوبها ، والتسلق عليها ، هو مثلنا سيدي القاضي ، يواجه نفس الصراعات التي نواجهها ، تحاك بداخله المؤامرات ربما ، تحاك عليه المؤامرات ربما ، ولكننا أتساءل لم يقف هذا المجلس وحيدا في القفص ليستتر ورائه الأخرون ممن يحيكون المؤامرات و من يعادون الثورة و من يحاولون ركوبها ، لم تلصق به كل اتهاماتهم وكأنه هو الذي صنعهم ، وهو الذي حرضهم وهو الذي يحركهم ، لم أصبح هو الفاسد الوحيد ، والدكتاتور الوحيد ، أين صناع الفراعنة الذين لم ننتهي من هدم تمثال فرعونهم القديم حتى بدأوا في الالتفاف حول المجلس لجعله تمثالهم الجديد ، لم لا يوجه أي اتهام لهؤلاء وهم ولا شك أصل المرض وأصل الفساد !! ، أعرف أن هذا لا ينفي التهمة عن موكلي ، بل سيؤكدها ، لكنني أتساءل ، لم نحمل شخصا واحدا كل الذنوب التي نرتكبها نحن ، وهل إذا فعلنا فقد تطهرت قلوبنا ، أم سيزيدها ذلك خبثا تخبئه القلوب ؟؟!!

يقولون سيدي القاضي أن هذا المجلس العسكري يريد السلطة ، ويطيل في أمد تسليمها ، ولست أدري حقيقة كيف يتهموه ، فهم في الحقيقة من يحاولون إيقاعه في هذه اللعبة ، ففي البداية أعلن موكلي عن نيته في تسليم السلطة في ستة أشهر ، ، وقرر تمرير تعديلات في الدستور المصري لا تضمن إلا إقامة انتخابات عادلة ، فثارا جميعا ، وأعلنوا رفضهم لهذه التعديلات ، وأقاموا الحملات ، وحشدوا المليونيات حتى بعد أن أعلنت نتيجة الإستفتاء موافقة أغلبية الشعب على هذا الطريق ، فانصاع لهم ، وقرر أن يسقط العمل بالدستور ، و العمل بإعلان دستوري يقيم الإنتخابات التشريعية (الشعب والشورى معا) في موعدها على ثلاث مراحل ومن ثم تأتي الإنتخابات الرئاسية ، فثاروا أيضا ، كيف لنا أن ننتخب المجلسين سويا ، هذه بشائر التزوير !! ، وكيف نقيم الإنتخابات الرئاسية دون دستور، وكيف من الأساس يكتب مجلس شعب منتخب الدستور ؟!! ، و أقيمت المليونيات وأشعلت القلاقل ، بيد من لا أدري سيدي القاضي ، ولكنها أشعلت ، فاستمع للأسف هذا المجلس العسكري إلى نصائحهم كلها ، وفصل انتخابات الشعب والشورى ، وأجل الإنتخابات الرئاسية إلى ما بعد كتابة الدستور ،و أكد أنه سيعمل على كتابة وثيقة ارشادية لاختيار الجمعية التأسيسية للدستور ، وبدلا من أن يتحد هؤلاء لينجحوا هذه الإنتخابات وليقروا مسودة جاهزة للدستور لا يستغرق اتمامها والإتفاق عليها من اللجنة التأسيسية أكثر من شهر لتبدأ الإنتخابات الرئاسية سريعا ، جعلوا يتصارعون فيما بينهم ، ويحيكون المؤامرات ويستعنون بهذا المجلس على بعضهم ، ليطالبه الآن بعضهم بعكس ما طالبوه سابقا ، أن تتم الإنتخابات الرئاسية قبل كتابة الدستور ؟؟!!

فليكن ، يتهمونه أيضا بتكميم الأفواه ، وإخراس الألسنة وتصفية الثوار ، ولست أدري ، أين هذه الآلسنة المخرسه ، وهم يشتمون في المجلس ليل نهار ، لم يطالبون دائما بهذه الحرية التي تسمح لهم بالسب والشتم والإدعادات الباطلة (حتى المحبوس منهم) ، ومن ثم عندما يحاكمهم المجلس بقانون مدني يسمح له بتحويلهم إلى القضاء العسكري ما دام أحد أطراف القضية شخص أو مؤسسة عسكرية (قانون ٢٥ لسنة ١٩٦٦) ، يصرخون بلا للمحاكمات العسكرية ، وجعلوا يتناسون تجاوزاتهم ، ويقارنونها بجرائم مبارك ، وما دامت أقل منها، و مادام مبارك يحاكم مدنيا ، ويجلس في مركز عالمي ، فالمجلس العسكري يظلمهم ، ويعمل على إجهاض الثورة التي هم أبناءها البكر !! .


فليكن ، وهم يقولون أيضا أن المجلس لا يزال يمارس الانتهاكات ، من كشف للعذرية ، لانتهاك الأعراض ، يتداولون فيما بينهم الإعترافات من جانب واحد ، يقيمون المحاكم و يصدرون الأحكام ، ولست هنا لأنكر ما يقولون ، فلست من يقع في أخطائهم ، فكما أسلفت سابقا فهذا المجلس ليسوا هم الأطهار المقدسون ، وفيهم من يحاول بالفعل إشعار الجميع أن النظام لم ولن نتغير ، وربما كانت هذه وسيلتهم ، ولكنني أتساءل مثلا لم يلصق اتهام كتعذيب مواطن قيد الحبس (محمد عطا) بالمجلس العسكري بلا أي دليل سوى تقرير حقوقي استند إلى أقوال مشكوك فيها ، وتم نشر الإتهام في كل مكان ، في حين أنه عندما تم نشر تقرير تشريح الجثة والذي أثبت خلو جسمه من أية آثار للتعذيب ، لم يذيعه أحد ، بالرغم ن أنه صادر عن أطباء ثوريين ؟؟!! .

فليكن أيضا ، وبعد أن تفرغ اتهاماتهم أيها القاضي ، يعودون إلى الوراء، فيلصقون قتل خالد سعيد بالمجلس العسكري ، و قتل المتظاهرين بالمجلس العسكري ، وغرق العبارة أيضا بالمجلس العسكري ، ولا بأس فأزمة السولار أيضا سببها المجلس العسكري ، الأزمة الإقتصادية بسبب المجلس العسكري ، وجهل البعض بدينهم سببه المجلس العسكري ، و اعتصام العاملين والمطالب الفئوية سببها المجلس العسكري ، حتى جهل أهل دمياط الخائفون من مصنع مفكو بسبب المجلس العسكري !!.

وننتهي بالإتهامات الخارجية ، فالمجلس الأعلي إن لم يكن مواليا لمبارك ومدافعا عنه ، فهو مواليا لأمريكا ، ومدافعا عن أمن إسرائيل ، لن أحاول أن أدفع هذا الإتهامات بالطبع أيها القاضي ، فأنا لا أملك المعلومات ، لكنني أريد أن أعرف أيضا من أين أتت معلوماتهم ؟!.

لا دليل ، كل ما أستطيع أن أقول سيدي القاضي هو لا دليل ، فكل هذه الإتهامات وإن صح بعضها ، فلا دليل عليها سوى شعور مرضي بالاستبداد توارثته جينات هؤلاء المدعين ، يملكلون الإدعاء ولا يملكون الدليل ، وليس في أي دين أو شرع أو قانون ما يقيم لادعاء لا دليل عليه أي قيمة تذكر.

أعلم جيدا سيدي القاضي ، كما أظن أن هذا معلوم للجميع ، أن هذا المجلس العسكري ليس الأفضل لقيادة البلاد ، ولكنه الأجهز لها ، واتحدى من يستطيع أن يوجد بديلا له ، وأعلم جيدا أن هذا المجلس لن يتخلى عن دوره التاريخي ـ والذي يدفعونه دفعا للتخلي عنه ـ في إيصال سفينة هذه البلاد إلى بر الأمان ، وهو أيضا لن يلوث ذات التاريخ بسرقة ثورة لم يشارك فيها ، ليس لأنه غير طامع في بعض ثمارها ، ولكن لأنه أكثر حرصا على دخول تاريخها من أوسع الأبواب.

هذه الثورة لم تولد برأس ولن يلد لها رأسها سوى جسدها و هو الشعب ، وعن طريق انتخابات حرة نزيهة ، سيقيمها هذا المجلس شاء أم أبى ، وليس لنا إن نحاسبه إلا إن لم يفعلها بإرادته الحرة ، وليس إن منعناه أو أخرناه نحن بتخاذلنا أو بتآمرنا ضده أو ضد بعضنا باستخدامه.

وفي النهاية فلست أطلب البراءة لموكلي فبما أخطأ ، ولكني أطلب إنصافه فيما اتهم به باطلا وبلا دليل ، وإن كنت مطالبا بإدانته بمحاولة إرضاء الجميع والتي سمحت بدورها لرويبضة القوم بالكلام.

أشكركم علي حسن إنصاتكم.

ش.ز


0 التعليقات:

إرسال تعليق