الأحد، 5 أغسطس 2012

رمضات ١٧ : إن عدتم عدنا ...


عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا
الإسراء ٨



الآية وان كانت موجهة إلي بني اسرائيل ، فهي درس وعبرة لجميع خلق الله ، فالجزاء من جنس العمل ، والإحسان ما يكون إلا للنفس ، والإساءة لا تكون إلا عليها أيضا ، والاختيار هو مهمة الانسان ، فهو مصدر سعادته وهو أيضا مصدر شقآءه !!.

يقول سيد قطب في كتابه ظلال القرآن :
(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها)
القاعدة التي لا تتغير في الدنيا وفي الآخرة ; والتي تجعل عمل الإنسان كله له , بكل ثماره ونتائجه . وتجعل الجزاء ثمرة طبيعية للعمل , منه تنتج , وبه تتكيف ; وتجعل الإنسان مسؤولا عن نفسه , إن شاء أحسن إليها , وإن شاء أساء , لا يلومن إلا نفسه حين يحق عليه الجزاء .”

ففي القانون الإلهي ، من عاد إلى السوء عاد الله عليه بالنقمة والعذاب ، ومنا من يعيش عمرا ليري هذه السنة الكونية بأم عينيه ، لكننا نقرأها أكثر في كتب التاريخ ، فهذه أمم فسدت فذاقت غضب ربها ، فكتب الله لها من يصلح امرها ، فما أن اطمئنت لأمر الله عادت لفسادها ، فأصابها الله من غضبه مرة أخرى.

والعودة هنا تكون إلى الظلم ، ظلم النفس وظلم الناس ، والفساد ، فساد النفس وفساد المجتمع ، وما ينتج عن الظلم والفساد إلا أسبابا لتطاول الأعداء علينا ، وهكذا يوقع علينا الله غضبه بيد أعدائنا بسبب ضعفنا الذي أصبنا به أنفسنا .

يقوال القرضاوي :
لماذا عظَّم الرسول الكريم شأن هذا الجهاد، واعتبره أفضل الجهاد، واعتبر مَن قُتل فيه بجوار سيد الشهداء؟
والجواب : أن خطر الفساد الداخلي إذا تفاقم: يشكل خطرا جسيما وشرا كبيرا على الأمة، ولهذا يعتبر الإسلام الجهاد ضدَّ الظلم والفساد في الداخل مقدَّما على الجهاد ضدَّ الكفر والعدوان من الخارج. فإن الفساد الداخلي كثيرا ما يكون ممهِّدا للعدوان الخارجي، كما تدلُّ على ذلك أوائل سورة الإسراء، إذ قصَّت علينا ما وقع لبني إسرائيل حين أفسدوا في الأرض مرتين، وعلَوا (طغَوا) علوًّا كبيرا، ولم يجدوا بينهم مَن ينهى عن هذا الفساد أو يقاوِمه، فسلَّط الله عليهم أعداء من الخارج، يجوسون خلال ديارهم، ويدمِّرون عليهم معابدهم، ويحرقون توراتهم، ويسومونهم سوء العذاب، ويتبِّرون ما علَوا تتبيرا، وكان وعد الله مفعولا.
ومن هنا رأينا الفساد والانحلال، مقدمة للغزو والاحتلال ، وقد هدَّدهم بمثل هذه العقوبات القدرية إذا وقع منهم مثل ذلك الإفساد في المستقبل، وذلك في قوله تعالى: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) الإسراء:٨، أي إن عُدتم إلى الطغيان والعلو والإفساد عُدنا عليكم بتسليط الأعداء.

اللهم ظلمنا انفسنا فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

تحياتي
ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق