الأربعاء، 21 مارس 2012

السيدة الأولى .. والثانية .. والثالثة ..


غلبتني لغتي السياسية هذا العام فقررت أن ألقب أمي لقبا سياسيا فأخبرتها أنها السيدة الأولى لدولة حياتي !‬

ستظل المرأة هي المخلوق الذي قُدر له أن يحمل الحياة لغيره ، وهي النبع الخالص لمشاعر إنسانية لا يمكن أن يشعر به رجل أي كان ، نبع لم يحرم منه إلا مخلوق واحد هو آدم ، نبع الأمومة !.

تقلق أمي من عدم زواجي إلي الآن ، تسألني أن أبدأ في البحث عمن يعتني بمشاعري و حالي ، أفكر مليا وأنا أنظر إلى شاشة حاسوبي الشخصي فأخبرها مداعبا : لم أجدها بعد، ولا زلت أنت المفضلة لدي يا أمي ! .


لا أتكلم عن الحب ها هنا ، أتكلم عن شئ فطري مزروع بداخلي و بداخل تلك السيدة ، شئ يتلصص علي لأجلها ، يجعلها قادرة على معرفة حالي دون أن أدري ، شئ لم ينتزعوه مني ولا منها من بعد أن أنجبتني، شئ جعلها قادرة على حملي في الخارج من بعد حملي ببطنها ، وهو ذات الشئ الذي جعلني أطمئن فقط لضربات قلبها ، سر لا يمكن تفسيره و لا حتى فك طلاسمه .

أفضل صحبتها ، في المنزل و هي تحكي لي عن المباراة التي تابعتها -رغما عنها- لتحكي لي تفاصيلها ، وفي السينما وهي تحاول أن تفهم طلاسم الفيلم التي دخلته مضطرة لأنني أفضل دخوله ، وفي المكتبة وهي تفتش عن كتب الأطفال -لأحفادها- حتى انتهي أنا من بحثي الطويل -جدا- عن كتبي التي أريد ، ليتني أمتلك القدرة على الصبر والحب والحنان الذي أعطته لي ، لكنني أجد الصعوبة في مجارتها لرد القليل -والقليل جدا- مما تقدمه لي و إلى الآن .

أنا قطعة منها ، ربما اختلف عنها ، ولكنني حصاد بذرة زرعت بأرضها ، وارتوت بدمائها ، كل ما أملك من أفكار ومشاعر مبني على ما أخذته منها ، لا أتعجب من كوني أملك من المهارات ما لا تملك ، فهي قد تنازلت عن تنميتها في ذاتها لتنميها في قطعة منها ، قطعة لا تشعر أبدا بغربتها عنها، بل أنها تشعر بكل ما تشعر ، بنجاحها وفشلها ، بحزنها وفرحها ، وتشعر بأنها استثمارها الوحيد في هذه الدنيا التي لا تنتظر منه المقابل ، لأن نجاحه إن ذهب إليه فهو في الحقيقة ذهب إلى نفسها!.

أنانية هي أمي ، تريدني دائما بجوارها ، أبتعد أحيانا ، ولكنني اكتشفت أن أمي مخطئة جدا ، لأنني في الحقيقة من هو في أشد الحاجة إليها ، فما فائدة أي مال أكسبه إن لم ترض أمي ؟! ، ما نفع أي علم أخذه إن غضبت علي أمي ؟! ، ما آخر أي طريق أسلكه إن لم تدع لي أمي ؟! .

تأملت حديث رسول الله عن الرجل الذي جاءه فسأله : من أحق الناس بصحبتي يا رسول الله ؟، قال : أمك ، فقال : ثم أي ؟! قال : أمك ، فقال : ثم أي ؟! قال : أمك ، فقال : ثم أي ؟! قال : أبوك ، تأملته وتأملت تكرار الإجابة ، فالرسول - وهو الذى لا ينطق عن الهوى - ما كان ليكرر إجابة لسؤال عبثا ، الرسول كان واضحا في ترتيب أفضلية الصحبة التي يجب أن يتخذها أي إنسان ، فصحبة إي إنسان على وجه البسيطة ليس بمقام صحبة الأم ولا حتى في المرتبة التي تليها ولا التي تليها ، حتى الأب فبينه وبين مقام صحبة الأم مرتبتين كاملتين ، لا يوجد من يملأ فراغها إلا هذا المخلوق العجيب الذي يسمى الأم !.

أخبرت أمي بأنها ليست فقط سيدتي الأولى بل سيدتي الأولى … والثانية .. والثالثة ..

كل عام وأنت بألف خير يا أمي .

ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق