أكتوبر
٢٠١٠
سألت
وفاء الكيلاني ضيفها :
"عمرو
أديب ما هو خطه الأحمر ؟!"
رد
عمرو أديب بثبات :
"الرئيس
!"
قالت
:
"برقابة
ذاتية أم رقابة خارجية"
قال
:
"ذاتية"
نظرت
إليه وفاء بابتسامتها الماكرة فاردف :
"بصي
، أنا أنتقد الرئيس، ولكن في ذوق في التعاطي
مع هذا الرجل ، هذا الرجل قيادة تاريخية
، و هي آخر قيادة تاريخية ، اللي جاي بعد
كده ملوش أي إمارات "
"حسني
مبارك قائد الضربة الجوية و واللي قاعد
بقاله ٣٠ سنة في الحكم ، ده له استثناء ،
بس أي حد تاني ، أي حد تاني جاي بعد حسني
مبارك لا استثناء له !"
كان
هذا التصريح -
في وسط
أجواء تتهيئ كل ذره من هوائه للتوريث -
ذو لمحة
أثارت انتباهي ، فعمرو أديب و الكثير من
جمهوره ليسوا من المحسوبين على معارضي
الرئيس ، ربما كانوا ممن يلقون اللوم على
وزراءه و حاشيته ، ولكنهم دائما ما كانوا
يظهرون الإحترام والإجلال لرجل يرونه من
أبطال حرب أكتوبر ، وهي الحقيقة التي لا
ينكرها أحد من المصريين رغم الإعتراض على
تضخيمها وتزييف التاريخ بتصويرها هي
البطولة الأولى والأخيرة في هذه الحرب ،
والتي علينا أن نحتمل مقابلها أكثر من ٣٠
عاما من الذل والفقر والموت في عهد سيادة
الرئيس البطل !.
وتزامنا
مع تطبيق الخطة ، كان من الطبيعي والمتوقع
أن يتسلم جمال ورجاله كل خيوط اللعبة ،
فهم المتحكمون بكل ما يفعله المصريون ،
باتصالاتهم وغذائهم وشربهم وبترولهم
وكهربائهم و الصحف التي يقرأون والقنوات
التي يشاهدون ، هم من بيديهم أن يمنعوا
كل هذه الأشياء إن وافقنا ، ويمنعوها إن
رفضنا ، والسؤال الذي سيطرح علينا بعد
حين من هذا الإحتكار ، "ماذا
تختارون ؟!"
.
كانت
طريقة نظام مبارك في التعاطي مع الإعلام
معروفة لكل المصريين ، اعترض كما تشاء ،
ونحن نفعل ما نشاء ، وكانت -
رغم
ضلال مقصدها -
طريقة
مثلى للتنفيس عن غضب المصريين من النظام
، وحجة يتذرعون بها أمام كل دول العالم
ليدللوا على حرية الرأي المنتشرة في ربوع
الوطن الغالي.
شئ ما
في هذا النظام استشعر الخطر من هذه الطريقة
على خطة التوريث ، شيء ما قرر أن يبدأ في
التضييق على الإعلاميين الذين لا يقبلون
بمبارك وبابنائه -أيضا-
خطا
أحمر يتوقفون عنده ، شيء ما قرر أن يقاضي
صحفيا لأنه تكلم عن مرض الرئيس ، وهو مريض
بالفعل !!
، شيء
ما يمنع كريكاتيرا لمصطفى حسين أن ينشر
، شيء ما لا يريد أن يسمع ولا نصف كلمة
أحمد رجب ، شئ ما قرر أن يكون رئيس تحرير
الأخبار ممتاز القط ، ورئيس تحرير الأهرام
أسامة سرايا !!!
.
هي
مجرد جرائد حكومية لا يقرأها الشعب المصري
، جرائد بدأ رؤساء تحريرها في ترييف
الحقائق وقلبها بما يتماشى مع خطط النظام
ومديريه ، إلى حد قد يصل إلى تغيير أصول
المهنة وأعرافها ، والقول بأن صورة مزيفة
هي صورة تعبيرية ليس إلا !!
، وخبر
كاذب يمتلؤ بالإتهامات الكاذبة هو مثال
حرية رأي ، والتحدث عن صحة الرئيس هو سب
وقذف ، كونه بالطبع رئيسا عربيا من النوع
الذي لا يمرض ولا يموت ولا يستحدث من العدم
!!!.
لم
يكن المصريون ينصتون لهذه الأبواق بعد
أن ملوا عوارها بقدر ما كانوا يتابعون
وبشغف تجارب صحفية أخرى أكثر شرفا و مهنية
كالتي قادها ابراهيم عيسى -
وهو
الصحفي الذي قوضي بسبب حديثه عن صحة الرئيس
- ،
آبراهيم عيسى ورغم العفو الذي تعطف عليه
به سيادة الرئيس، لم يصمت ، واكمل طريقه
في مهاجمة الرئيس ونظامه وخطة التوريث
بمن يخططونها ، ولأنه كان من أصعب الأصوات
التي يمكن إغلاقها أو استئناسها ، فقد
ترك للنهاية ، وبطريقة مختلفة قرروا أن
يعتقلوا كلماته .
البداية
كانت مع شراء جريدته من قبل رئيس حزب الوفد
"السيد
البدوي"
، والذي
ظن البعض أنها انطلاقة لتطوير الجريدة ،
والنهاية بإقالة إبراهيم عيسى من رئاسة
تحريرها و لأسباب واهية مجهولة يشّتم من
حولها ألاعيب نظام مبارك ، هذا النظام
الذي رأى في هذه الحيلة بديلا عن التعرض
لإبراهيم عيسى أمنيا ، والذي كان من
المتوقع أن يزيد من شعبيته ومن تعاطف
الناس معه ، ولكنه لم يدرك أنه أيضا بما
فعل قد أغلق آخر متنفس لظلمه ولفساده ،
وأنه قد نبش قبور الأفواه التي كانت تري
في الكتابة والكلام مخرجا لما نحن فيه ،
ولم يعد لها بديل سوى الإستفاقة من هذا
الوهم ، والخروج من حاجز الصفحات التي
يكتبون فيها ، للحديث ومباشرة مع من كانوا
يقرأون لهم ، وأيضا من كانوا يجهلون
القرآءة من الأساس !!.
ما
حاول أن يفعله النظام هو محاولة البحث عن
مُخرج محترف لديه بعضا من المصداقية لدى
الناس لإخراج مسرحية هزلية يكون أبطالها
من أبناءه الذين لا يمتلكون حتى أي موهبة
تذكر ، المعضلة التي واجهوها هي أن أي
مخرج لديه جزءا ولو قليلا من المصداقية
لدى الناس لم يكن بمقدوره تنفيذ هذه
المسرحية بأبطال لا يملكون الموهبة ولا
التاريخ ولا القدرة على التعلم ، لم يكن
بمقدورهم حتى وإن دفعت لهم الملايين أن
يخرجوا هذا العمل لأنه وببساطة يعني
تضحيتهم بمصداقيتهم لدى جمهور يمتلك
حسا فنيا هم يدركوه قيمته ، ولذا تراجع
الجميع عن آداء تلك المهمة ، و رأى النظام
- الذي
أصابه الغرور -
أن لا
حاجة له الآن لذلك المخرج ، فهو سيخرج
مسرحيته بنفسه ، بعيدا عن الجميع ، عن
الخبراء وعن الجماهير ، لتبدأ مسرحيته
الخاصة ، مسرحية إفساد الفساد !.
**********************
ديسمبر
٢٠١٠
"النظام
قد بدأ في الإنهيار بالفعل"
قبل
خمسة أعوام أو يزيد أعلن هذا الإعلان أحد
أساتذتنا في كلية الهندسة ، كنا طلبة
جالسين أمامه غاية ما يحلم به بعضنا (إن
لم يكن أكثرنا)
بعد
التخرج هو إيجاد طريق له خارج تلك البلاد
، وعلى كل المستويات ، فمن أراد العلم
أراد أن يكمل دراسته في إحدى جامعات الغرب
، ومن أراد المال والعمل لم تكن مصر بأي
حال من الأحوال هي التربة الخصبة لتحقيق
منتهى أحلامه.
قطع
هذا الأستاذ أحبال أفكارنا قائلا :
"لدي
نظريتي الخاصة التي تؤكد بدء حدوث هذا
الإنهيار ، لو تمعن بعضكم في ما يحدث حولنا
، سيدرك تماما أن الفساد وصل إلى حد بات
فيه على وشك إفساد نفسه !!
، نعم
الفساد أصبح فاسدا ، ولم يعد بالكفاءة
التي كان عليها من الفساد ، المفسدون
باتوا أغبياء وحمقى وغير قادرين على لملمة
آثار فسادهم كما كانوا سابقا ، المرض الذي
كانوا ينشرونه بيننا جهلا بدؤا في نشره
فيما بينهم ، وهذه هي بداية نهايتهم"
"يوما
ما سيسقط هذا النظام ، وحينها مصر ستكون
بين أيديكم ، فلا تفلتوها"
لا
أدري لماذا ذكرت كلمات الرجل بعد كل هذه
السنوات ، ربما لأن نبوءته وبعد كل هذه
السنوات بدأت في التحقق ، فها هي أركان
النظام تصارع ذاتها ، بين قديم يحتضر
ومتمسك بالسلطة ، وجديد لا يعي معني الرحمة
والعدل بين أبناء الوطن ، كنت تنظر في
عيون هؤلاء وهؤلاء لا تجد أي معنا للحب
أو للمشاعر الإنسانية النبيلة ، مجرد
عيون زجاجية يملؤها الصلف ، لم يكن رجال
مبارك الذين بلغوا -
مثله -
من العمر
أرذله قادرين على حب ابنه أو حبه هو شخصيا
، ما أرادوه هو مصالحهم الشخصية ، فإن
تحققت فهم على استعداد لتحقيق ما هو أسوء
للبلاد !
.
وهذا
ما حدث في المهزلة البرلمانية الأخيرة ،
أقصد الإنتخابات بالطبع ، الحزب الوطني
بأطفاله المدليين (جمال
مبارك وأحمد عز وغيرهم)
،
وعجائزهم الغير قادرين علي التفكير (صفوت
الشريف و فتحي سرور وغيرهم)
، قرروا
أن يفعلوا سابقة في تاريخ الإنتخابات
النيابة في العالم ، أن ينافسوا أنفسهم
!! ،
نعم ، فلم يكن التزوير الذي كان لابد من
حدوثه كاف لتحقيق أغراضهم ، فالتزوير
رغما من استفحاله وتفحشه لم يكن قادرا عن
منع بعضا المعارضين والإخوان المسلمين
من دخول البرلمان ، وهذا ما لم يكن جائزا
في برلمان التوريث !
.
المسرحية
حاولت أن تجتذب إليها في البداية بعض
الممثلين الهزليين كحرب الوفد الذي كان
واضحا هو ورئيسه السيد البدوي على استعداد
لجميع التنازلات في مقابل أخد مقاعد
الإخوان ال ٨٨ في البرلمان السابق ، حاول
د.
البرادعي
وجمعيته الوطنية للتغيير أن تثني الجميع
عن هذه المشاركة في الإنتخابات ولكن
الجميع قرر خوضها ، والدخول في معركة
خاسرة مع حزب وطني نافس على بعض المقاعد
بأكثر من عضو من أعضائه !!
، النتيجة
كانت متوقعة ، الوطني استغل هؤلاء الممثلون
الهزليون لإتمام خطته في المرحلة الأولى
من الإنتخابات ، ليخرج جميعهم في المرحلة
الثانية منسحبين جاديين كانوا أم هزليين.
مرت
الإنتخابات كأي انتخابات مجلس شعب تمر
علينا ، لا دخل لنا بها ، نحن الشعب !
، ولكن
الملاحظ هذه المرة أن هناك شبه اتفاق ضمني
-أو
قل ملل ضمني-
على هذا
بين أفراد هذا الشعب ، حتى أنا والذي كنت
أتفاخر دائما بحملي للبطاقة الوردية ،
وأنني من الإيجابيين الذين يذهبون -رغم
كل هذه الإنتهاكات والتزوير-
إلى
صندوق الإقتراع ، لم أكن متحمسا هذه المرة
، بل إنني ولأول مرة وددت أن أجرب نفسي في
طابور السلبيين الذين كنت أنتقدهم !
وقفت
بسيارتي أمام الممر المؤدي إلي المدرسة
التي اعتدت التصويت فيها ، جلست أرقب
المدرسة من بعيد وأنا في قمة التردد ، قد
جربت الإيجابية مرات ومرات ، وذهبت سرا
عن أبي و أمي إلى انتخابات البرلمان
والرئاسة السابقة ، فماذا حدث ؟!
، إنهم
يستخدمون أصواتنا كدليل على المشاركة ،
إنهم يحرقون إرادتنا بين أوراق مزروة
ومصالح لا ناقة لها فيها ولا جمل ، هم
يتلاعبون بنا ، وينفسون عن الغضب الذي في
صدورنا لمجرد وضع ورقة في صندوق خاو لا
يتم حساب أوراقه في الأصل ، نظرت إلى ذلك
الظابط الواقف على أبواب المدرسة ، والذي
يسأل وبتكبر شديد كل من يقترب أبواب
المدرسة للتصويت عن هويته ، يمنع من يشاء
ويدخل من يشاء ، رأيت بعضا من أوراق
الإقتراع مرتمية على الأرض ، خرجت من
سيارتي ، اقتربت ناحية العسكري الذي يقف
على أول الممر ، وقفت بجواره متأملا ،
يتصاعد الدخان في آخر الممر أثر قمامة
كانوا يحرقونها ، سألته :
"من
أشعل هذه القمامة ؟"
أجابني
:
"محدش
عارف"
سألته:
"مش
حتطفوها ؟!"
أجابني
:
"النهاردة
إنتخابات يا بيه ، أما يخلصوا الإنتخابات
الأول "
سألني
:
"داخل
تنتخب ؟"
أجبته
ساخرا :
"مش
عارف !"
سألته:
"إنت
حتخلصوا إمتى ؟"
أجابني
بسخرية متبادلة:
"لأ
دول زمانهم خلصوا خلاص"
قلت
له :
"يبقى
بلاش إحنا المرة ده بقى، خليهلهم"
أردفت
:
"بس
إياكم تطفوا النار بعد تخلصوا"
ابتسم
ضاحكا ، واتجهت أنا إلى سيارتي ، اتمم
قائلا :
"والنار
تأكل نفسها ، إن لم تجد ما تأكله"
!!
****************
وبالفعل
لم تطفئ النار منذ ذلك الحين ، يعلن الذئاب
نتائج الإنتخابات ، وكل همها كم حصدت من
الأصوات ، وكيف انتصرت على المحظورة ،
ولا عزاء لشعب أصابه الفقر والجوع والغربة
في البلاد ، ما هذا البلاء ؟!
، لم
يتم نبش قبري بعد ، لدي الكثير من البدائل
، لم يصل الفقر إلى نعم، لم يصل الجوع إلي
نعم ، ولكنه حولى في كل مكان، فما الذي
يمنعه من مزاولة المهنة علي يوما !!
،
المصريون طيبون ، صابرون ، يلجئون إلى
الله وينتظرون المنقذ ، ولا يعرفون أن
المنقذ بداخلهم !
.
فجأة
بعدها بعدة أيام تعد على الأصابع ، فعل
شخص ما خارج بلادهم ما ودوا لو استطاعوا
أن يفعلوه ، حرق المواطن التونسي "بو
عزيزي"
نفسه
بدعوي تلقيه صفعة من شرطية تونسية منعته
من ممارسة تجارته في الطرقات ، تأثر الجميع
تعاطفا مع ال "بو
عزيزي"
، أهتزت
تونس ، وقامت فيها المظاهرات المناهضة
للنظام التونسي ، مظاهرات مناهضة للظلم
و قمع الحريات الإنسانية والدينية ، لم
يكن في تونس ازمة فقر كالتي تعصف بنا ،
ولا أزمة تعليم كالتي تكاد تشوه أجيالنا
، ولكن رغم ذلك ، مجرد صفعة على وجه رجل
ربما لم تحدث ، كانت كافية لإثارة مشاعر
التونسيون لإخراج ما بهم من أوجاع عصفت
بحقوقهم الإنسانية ، أما في مصر ، فلم
نتابع جديا مسار هذه المظاهرات في تونس
، فقد ظننا أنها مجرد معارضات سيحتويها
نظام حكم عربي قمعي فاسد كنظامنا ، ولكن
فكرة حرق النفس كانت ملهمة جدا للبعض ،
وكنا نراها جميعا قابلة للحدوث لدينا
وبكثرة !.
الغريب
أن النظام الذي كان البعض يلتمس له العذر
على جهله وقلة معرفته كما كان يلتمس هو
ذات العذر لنفسه ، كان لديه من الأجهزة
القادرة على استشعار هذا السخط العام ،
والذي كان يقابل عادة ليس بإجراءات تعمل
على تخفيفه بقدر ما كان يواجه بإجراءات
تعمل على زرع شعور بالخوف ينسى الجميع
هذا السخط وأسبابه ، كان يعمل على زراعة
كل زنواع الخوف بداخلنا ، الخوف علي الوطن
، والخوف على النفس ، والخوف على الأهل
والأبناء ، كان إسلوبا منحطا يجعل من
الحرية والكرامة والمساواة رفاهية ليس
لنا ولا لأجيال من بعدنا أن نطالب بها ،
كان سجنا معنويا يحاول أن يستعبدنا به
فرعون ، كي نقلل من طموحاتنا ، ونكف عن
المطالبة بحقوقنا ، ويبدو أنه قرر أن
يواجه ذلك السخط المتنامى حوله بذات
الطريقة ومع أول ساعة في العام الجديد !
.
ش.ز
يتبع
في
عمرنا ثورة (١)
: نبش
القبور (٤/٤)
0 التعليقات:
إرسال تعليق