ببساطة شديدة ، استقبلت أمي ما يحدث في العباسية كأحداث شغب تتبع مباراة كرة ، لم تكترث كثيرا بما يحدث ، السؤال الذي تسأله لي دائما "هما عاوزين إيه ؟!" ، كنت أجيبها سابقا فتتعاطف مع الثوار ، أما الآن ، وبعد أن اقتربت المطالب من المساس بالمجلس العسكري ، قالت أمي "حد يقرب من الجيش .. ده الجيش هما اللي بيحمونا" ، حاولت بشتى الطرق تحيدها ، ولكن أمي لا تفقد أبدا ثقتها بالجيش ، حتى بعد أن أرتفع صوتي أنا غاضبا مطالبا الجيش أن يتعامل معهم بقوة ، ردت هي "لأ ، دول ولاده برده ، يخاويهم" . لن تستطع أبدا أن تهز ثقة شعب باكمله في جيشه ، أو أن تخون قواده ، كما لم أستطع أنا وأخي إثناء أمي عن الخروج ليلة البارحة للذهاب إلى عمتي ، في وسط هذه الأجواء ، رغبة منا في الإلتصاق بالإنترنت و التلفاز ، لمشاهدة الأحداث الجارية و البرامج الحوارية وتعليقاتها على ما يحدث، والمشاركة في الأحداث كما تفعل الجزيرة ، بدلا من سماعها او نقلها !! ، ولكن أمي لم تهتم ، فهي تعرف هدفها جيدا ، أكاد أتفهم جيدا كيف فعل آباءنا من الفسيخ شربات ، واستطاعوا تربيتنا في عهد المباركي أحرارا !!
وكما توقعنا ولارتباط سكننا واقترابه من كوبري القبة ، فالطريق كان يسير سير السلحفاة ، وكل الأشياء اشتبكت في ميدان واحد يخترقه في المنتصف خط للترام ، الناس بالطبع لا تتحمل هذا الضغط ، الكل يحاول أن يخرج من مأزق هذا الزحام ولكن لا يستطيع ، أصوات عربة إسعاف تثير أعصابنا و تشعرنا بالخطر ، ولكن ما الحيلة ، فما يريده من توسعة للطريق لا نملكه ، يتبعنا أوتوبيس أحمق يظن نفسه يفهم كل شيء ، يتفاخر بحجمه ورؤيته الشاملة ، فيقرر ونحن نعاني في منتصف الميدان أن يخترق ليسبق الجميع ، ويسير مخالفا على أحدى قضبان الترام المتوازية ، محاولا اختصار طريقه ، تنجح خطته في جزئها الأول ، ولكن عندما حاول أن يخرج من القضبان ليضع نفسه في موقع أفضل منا في الشارع ، يأتي الترام البطيء لينصفنا J ، ويسير موازيا له في القضبان المجاورة ، ليمنعه من الخروج ، أو حتى محاولة الإلتفاف على النظام ، كنت سعيدا بما فعل ، أشرت لأخي ليتابع الموقف وجلسنا نضحك سويا !! .
الموقف صار أكثر تنظيرا ، عندما بدأ سائق الأوتوبيس المخطئ ، في الهجوم على سائق الترام ، وكيل السباب له ، الجميع هنا استغرب الموقف ، ما عدا سائق الترام ، الذي لم يكن يشغله سوى السير على القضبان التي جعلته الآن أسرع وسيلة مواصلات في وسط هذا الزحام وانعدام النظام ، سائق الترام ترك مهمة الرد لمن يركبون معه ، والذين جعلوا يهاجمون سائق الأوتوبيس ، ويطالبونه بالصمت ، لأنه المخطئ ، والذي يحاول أن يسبق الناس و القفز في المقدمة بأي أسلوب ، سائق الترام لم يهتم لهؤلاء ولا لهؤلاء ، جعل يسير في طريقه ، مستمتعا بشتائم سائق الأوتوبيس له !! .
الطريف ، هو ما حدث في النهاية ، عندما أتى ترام آخر من الناحية العكسية والذي يسير على القضبان التي تعدى عليها سائق الأوتوبيس ، وهو ما اضطره في النهاية إلى الانتظار حتى سار الترام الأول فانسحب هو من الطريق الذي اغتصبه ليسير صاغرا وراء الترام الذي ظل يكيل لسائقه الشتائم منذ دقائق !!
نظرت إلى أخي و أمي قائلا : هو الميدان الآن يشبه مصرنا ، ولعلكم الآن عرفتم من هو الترام ومن هو الأتوبيس ؟
تبا للسلطة التي تريدون .. وتعبدون ..
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق