وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿۱۱۱﴾ البقرة
هي قمة أنواع العصبية ، فهي ليست عصبية لجنس أو لشكل أو لنسب ، وإنما هي عصبية للدين ، عصبية عمياء تصيب أول ما تصيب الدين ذاته ، لتقصره على فئة واحدة من البشر ، رغم أنه دين سماوي ، أنزله رب العالمين لكل البشر .
لم يكن اليهود أو النصارى على الباطل حين قالوا ما قالوه ، لكنهم أخطأوا حين ظنوا أن الحق هو حكر لهم وحدهم ، يقول الشيخ الغزالي :
"لماذا هذا الحكم المتحيز؟ . هناك ناس آخرون حسنت معرفتهم لله ، وأسلموا له وجوههم ، وأخلصوا نياتهم ، وأصلحوا أعمالهم ، لماذا يهدر جهدهم؟."[1]
والرد من الله عز وجل كان واضحا :
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿۱۱۲﴾ البقرة
فليس المسلمون أتباع محمد هم أصحاب الجنة ، وإنما كل من أسلم وجهه لله وهو محسن ،فله نصيب فيها ، والخطاب هنا أيضا للمسلمين أيضا ، فليس النعمة التي أنعم بها الله علينا بأن جعلنا مسلمون هي وسيلة للترفع عن الأمم ، أو الظن أنها ذريعة للإستئثار بالرب نفسه ، كما فعل اليهود أن ظنوا بأنهم شعب الله المختار دون كل البشر ، والله رب البشر كلهم ، سواء من عبدوه منهم أو من أشركوا به.
يحكى في الأثر أن مجوسيا حضر عند إبراهيم عليه السلام فجاءه بطعام ثم قال هل لك في الإسلام رغبة فترك الأكل وانصرف فأوحى الله إليه يا إبراهيم أنا أرزقه على كفره منذ أربعين سنة وأنت تريد أن ترده عن دينه بأكلة واحدة فخرج في طلبه فوجده فأخبره بذلك فأسلم ورجع معه إلى طعامه وجاء في بعض الأيام رجل يعبد نارا فأكرمه فقالت الملائكة ربنا خليلك يكرم عدوك فقال أنا أعلم بخليلي منكم يا جبريل اهبط إليه واعرض عليه قول الملائكة فأخبره بذلك فقال قل لربي تعلمت الجود منك لأنك تحسن. [2]
وإنّا وإن كنا لسنا مأمورين بالتعصب لديننا ، هذا التعصب الأعمى الذي لا عقل فيه ، فمن باب أولى فلا معنى لأي عصبية لوطن أو لجنس أو للغة أو لنسب ، يقول الشيخ الغزالي :
"ليس لأهل الإسلام عنصر يتعصبون له ، أو وطن ينتمون إليه ، لإن ولائهم لله رب السموات والأرضين ، وخالق الناس أجمعين ، لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى ، ولا فضل لهم على الناس إلا بما يقدمون لهم من دين"[1]
هذا التعصب هو مزايدة ليس إلا ، يحاول بها البعض إخفاء أخطاءهم و تقصيرهم ورائها ، ظنا منهم أنه قد يكفيهم انتسابهم للدين ليفروا من عقاب الله ، ولكن هيهات ، فتلك أمانيهم ، يقول الغزالي أيضا :
"وفي عصرنا هذا -كما يقول محمد عبده- يوجد من يتحدث عن الإسلام فيثني عليه أعظم الثناء يقول : أي دين أصلح منه؟ أي دين أرشد إرشاده؟ أي شرع في اكتماله؟
فإذا سئل الواحد منهم: ماذا فعل للإسلام ؟ وبماذا يمتاز على غيره من أتباع الإديان الأخرى ؟، لا يحير جوابا ..
وردعا لقائلين غير فاعلين يقول الله تعالى :
لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ﴿۱۲۳﴾ النساء "
الدين ليس مجالا للتعصب بين الناس ، فالدين الحق دين لكل الناس ، مؤمنهم وكافرهم ، أتقاهم وأشقاهم ، فالله رب الجميع ، يرزق الجميع ، ويهدي من يشاء منهم ، ويضل من يشاء منهم ، بأذنه و برحمته .
قال صاحب المنار: ” إن الله العظيم الحكيم لا يحابي في سننه المطردة في نظام خلقه مسلما ولا يهوديا ولانصرانيا لأجل اسمه أو لقبه أو لانتسابه إلى أصفيائه من خلقه.. بل كانت سنته حاكمة على أولئك الأصفياء أنفسهم حتى إن خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم قد شج رأسه وكسرت سنه.. وردّي في الحفرة يوم أحد لتقصير عسكره فيما يجب من نظام الحرب.. فإلى متى أيها المسلمون هذا الغرور بالانتماء إلى هذا الدين وأنتم لاتقيمون كتابه ولاتهتدون به ولاتعتبرون بما فيه من النذر؟؟! “[1]
سبحان من وسعت رحمته كل شي.
تحياتي
ش.ز
المصادر
[1] نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم – محمد الغزالي
[2] نزهة المجالس ومنتخب النفائس - الصفوري
0 التعليقات:
إرسال تعليق