وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿۱۲﴾لقمان
هو ابن أخت أيوب عليه السلام ، لقمان بن ياعور ، وهو من أسوان بمصر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن لقمان كان عبداً كثير التفكر، حسن الظن، كثير الصمت، أحب الله فأحبه الله تعالى، فمن عليه بالحكمة. نودي بالخلافة قبل داود ، فقيل له يا لقمان، هل لك ان يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحق؟ قال لقمان: إن أجبرني ربي عزَّ وجل قبلت، فإني أعلم أنه إن فعل ذلك أعانني وعلمني وعصمني، وإن خيرني ربي قبلت العافية ولا أسأل البلاء، فقالت الملائكة: يا لقمان لِمَ؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كل مكان، فيخذل أو يعان، فإن أصاب فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكون في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً ضائعاً، ومن يختار الدنيا على الآخرة فاتته الدنيا ولا يصير إلى ملك الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فغط بالحكمة غطا، فانتبه فتكلم بها" .[1]
المتأمل لحكم لقمان ، سيجد أنها مع بساطتها ، تحمل منابع الأخلاق ، والتي بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليتمها ، فقد وصى ابنه بالابتعاد عن الشرك ، وسماه الظلم العظيم ، ووصاه بالوالدين وأمره أن يصاحبهما في الدنيا معروفا حتى الكافر منهم ، و بين له أن لا شيء في هذه الدنيا مهما كان حجمه بخاف عن الله تعالى ، وذكره بالصلاة ، وباأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأكد له أن الصبر من عزم الأمور .
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿۱۸﴾ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿۱۹﴾
فلا عيش بالذل ، ولا بالفخر والغرور تكون الحياة ، ولا بالصوت المرتفع تؤخذ الحقوق ، أو تطلب ، وإنما الله تعالى ينصر القوي المتواضع، الذي لا يتكبر على الناس ، والذي يلتزم أدبه مع ربه ، ومن ثم أدبه مع الناس حتى وإن كانوا أعدائه .
بعضا من نصوص حكم لقمان :
· يا بني ! ارج الله رجاءً لا تأمن فيه مكره، وخاف الله مخافة لا تيأس بها رحمته.
· يا بني ! أكثر من قول : رب اغفر لي، فإن لله ساعة لا يُردُّ فيها سائل.
· يا بني ! إن العمل لا يستطاع إلا باليقين، ومن يضعف يقينه يضعف عمله.
· يا بني ! إذا جاءك الشيطان من قبل الشك والريبة فاغلبه باليقين، وإذا جاءك من قبل السآمة فاغلبه بذكر القبر والقيامة، وإذا جاءك من قبل الرغبة والرهبة فأخبره أن الدنيا مفارقةُ متروكة.
· يا بني ! اتخذ تقوى الله تجارةً، يأتيك الربح من غير بضاعة.
· يا بني ! إياك والكذب، فإنه شهي كلحم العصفور، عما قليل يقلى صاحبه.
· يا بني ! لا تأكل شبعاً على شبع، فإنك إن تلقه للكلب خيرٌ من أن تأكله.
· يا بني ! لا تكن حلواً فتبلع، ولا مراً فتلفظ.
· يا بني ! لا تؤخر التوبة فأن الموت يأتي بغتة.
· يا بني ! اتق الله، ولا تُر الناس أنك تخشى الله ليكرموك بذلك وقلبك فاجر.
· يا بني ! ما ندمت على الصمت قط. وإن كان الكلام من الفضة كان السكوت من الذهب.
· يا بني ! اعتزل الشر كيما يعتزلك، فإن الشر للشر خلق.
· يا بني ! اختر المجالس على عينك، فإذا رأيت المجلس يُذكرُ الله عز وجل فيه فاجلس معهم، فإنك إن تك عالماً ينفعك علمك وإن تك عييًّا يعلموك، وان يطلع الله عز وجل إليهم برحمة تصبك معهم.
· يا بني ! ليكن لك علو الهمة في طلب الجنة والعزم للشهادة في سبيل الله.
· يا بني ! انصب رايتك راية الحق ورباطك في سبيل الله خير من خير في الدنيا.
· يا بني ! انزل نفسك منزلة من لا حاجة له بك ولا بدَّ لك منه.
· يا بني ! إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك.
· يا بني ! جالس العلماء وزاحمهم بركبتك، فإن الله ليحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء.
· يا بني ! امتنع مما يخرج من فيك، فإن ما سكتَّ سالم وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك.
· يا بني ! إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الأخرى. فدارٌ أنت إليها تسير أقرب من دارٍ أنت عنها تباعد.
· يا بني ! إياك والدَّين، فإنه ذلُّ النهار همّ الليل.
· يا بني ! لا يأكل طعامك إلا الأتقياء، وشاور في أمرك الحكماء.
· يا بني ! من كذب ذهب ماء وجهه، ومن ساء خلقه كثر غمه.
· يا بني ! نقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم.[1]
اللهم ارزقنا الحكمة.
ش.ز
المصادر
[1] البداية والنهاية لابن كثير
0 التعليقات:
إرسال تعليق