الجمعة، 5 أغسطس 2011

رمضات 5 : جزية


قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴿۲۹التوبة

الجزية ، مثلها مثل كل الفزاعات التي يرددها الكثيرون تخويفا من الإسلام ، فالجزية ليست ذلا ولا هوانا ،وليست عقوبة لغير المسلمين ، وليست فعلا انفرد به المسلمون دون غيرهم ، وإنما فرضها قبلهم اليونانيون والفرس والروم على الشعوب الخاضعة لهم !! .


أليس من أقل مبادئ المساواة والعدل أن يتساو المواطنون تحت حكم واحد ؟ ، فكيف للمسلمين أن يفرض عليهم دفع زكاة أموالهم، ويظل غيرهم تحت ذات الحكم لا يدفعون ؟! ، وكيف يفرض عليهم الجهاد ، وغيرهم ينعمون بحمايتهم فقط ؟!، كان لابد من الجزية طلبا للمساواة بين الناس جميعهم ، مسلمهم وكافرهم ، يقول الشيخ القرضاوي :

"وزيادة في الإيضاح والبيان، ودفعًا لكل شبهة، وردًا لأية فرية، يسرني أن أسجل هنا ما كتبه المؤرخ المعروف سير توماس و. أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" عن الغرض من فرض الجزية وعلى مَن فُرضت. قال: (الدعوة إلى الإسلام ص 79-81 ط. ثالثة ـ مكتبة النهضة ـ ترجمة الدكاترة : حسن إبراهيم حسن، وإسماعيل النحراوي، وعبد المجيد عابدين). "ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين ـ كما يريدنا بعض الباحثين على الظن ـ لونًا من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة. وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش، في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين. ولما قَدَّمَ أهل الحيرة المال المتفق عليه، ذكروا صراحة أنهم دفعوا هذه الجزية على شريطة: "أن يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم" (الطبري ج1 ص2055)."

والجزية في الأصل رد للفعل وليست فعلا يبادر به المسلمون من كفروا به ، فيرى البعض أن الجزية لا تكون إلا على من عاهد المسلمين عهدا ثم نقضه ، يقول الغزالي :

"ولا بأس أن نشرح مرة أخرى إلتزامنا أمام دعوتنا.
نحن لا نحارب المعتدين ولا نكره أحدا على اعتناق الإسلام.
إننا نعرض الإسلام فقط على الآخرين. فإذا آثر أحد الكفر قلنا له : لا عليك ، ولن يصيبك أذى !
كل ما نطلبه منك أن تتركنا ندعو غيرك ، وألا تتعرض لهذا الغير إذا استجاب لنا .
إن الإسلام في نظرنا هو العلاقة الفذة بين الله وعباده ، وقد كلفنا الله بالبلاغ وإيقاد الضوء أمام من يجهل.
فلا تعترض طريقنا ونحن نبلغ الناس ، ولا تعترض الآخرينإذا شرح الله صدورهم للحق.
فإن ارتضى الحياد فأمره معنا كما قال تعالى : 
فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴿۹۰النساء.
وإن قال : سأمنعكم من البلاغ ، وأمنع الآخرين من الإستجابة ، قلنا له لقحت بحرب بيننا وبينك.
فإن نصرنا الله عليكم جردناكم من السلاح الذين استخدمتموه في العدوان .
ويسرنا لكم أن تحييو معنا آمنين على أموالكم وأعراضكم.
وتولينا نحن عبئ الدفاع عنكم إذا تعرض لكم أحد بسوء.
وغرضنا ان تستبينوا حقيقتنا ، وتتكشف لكم خبيئتنا ، ثم كلفناكم في نظير ذلك بعض المال الذي ننفقه في الدفاع عنكم وعن شعائركم."
وهذه هي الجزية التي كثر اللغط حولها.
إنها لا تفرض على محايد آثر البعد ابتداءً عن مصارعتنا !.
وإنما تفرض على من قرر قتالنا ، أو أعان بنفسه وماله المعتدين علينا."[1]

وعلى ذلك فليست الجزية على من لا يقدر ، فالآية واضحة ، فمن يدفع الجزية يدفعها عن يد ، واليد رمز القدرة ، يقول الشعراوي في تفسيره لليد :

" نقول: { عَن يَدٍ } من معنى القدرة، فمن عنده قدرة، فتأخذ الجزية من القادر ولا نأخذها من العاجز."

وقد كانت الجزية وطريقة فرضها ، سياسة اعتمدها المسلمون أنفسهم لتعريف غير المسلمين بدينهم ، فما أقدر من المعاملات المالية حتى تعرف القوم ، فقد عرف الكثير من غير المسلمون الإسلام عن طريق الجزية ، بل ودعوا للإسلام وأهله وهم يفرضونها -بحق- عليهم ، يقول القرضاوي :

"لما حشد الإمبراطور هرقل جيشًا ضخمًا لصد قوات المسلمين المحتلة، كان لزامًا على المسلمين ـ نتيجة لما حدث ـ أن يركزوا كل نشاطهم في المعركة التي أحدقت بهم. فلما علم بذلك أبو عبيدة قائد العرب كتب إلى عمال المدن المفتوحة في الشام يأمرهم برد ما جُبىِ من الجزية من هذه المدن، وكتب إلى الناس يقول: "إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه بلغنا ما جُمع لنا من الجموع، وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم وإنّا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم". وبذلك ردت مبالغ طائلة من مال الدولة، فدعا المسيحيون بالبركة لرؤساء المسلمين، وقالوا: "ردكم الله علينا، ونصركم عليهم (أي على الروم).. فلو كانوا هم، لم يردوا علينا شيئًا، وأخذوا كل شيء بقي لنا". (أبو يوسف ص81) ."

فالجزية لم تكن غصبا ،ولا طريقا لفرض الإسلام على الآخرين ، وإنما كانت عدلا ، يراد به إنصاف الجميع ، وهو أحد أهم مبادئ الإسلام ، العدل والإنصاف ، فالعبرة ليست بالإسماء ، فإن اشترك الجميع في الحقوق والواجبات في وطن واحد حتى -وإن اختلفت المسميات- ، فلا جزية على أحد ، يقول القرضاوي :

"على أنه في حالة اشتراك الذميين في الخدمة العسكرية والدفاع عن الحَوْزَة مع المسلمين فإن الجزية تسقط عنهم.كما أني بحثت في كتابي "فقه الزكاة" مدى جواز أخذ ضريبة من أهل الذمة بمقدار الزكاة، ليتساووا بالمسلمين في الالتزامات المالية، وإن لم تُسمَّ "زكاة" نظرًا لحساسية هذا العنوان بالنظر إلى الفريقين. ولا يلزم أيضًا أن تسمى "جزية" ماداموا يأنفون من ذلك. وقد أخذ عمر من نصارى بنى تغلب الجزية باسم الصدقة تألفًا لهم، واعتبارًا بالمسميات لا بالأسماء (انظر كتابنا فقه الزكاة ج 1 ص 98-104.)"

هي ليست الجزية إذن ، وإنما هي العدل والمساواة بين الناس كافة ، فهكذا بعث محمدا هاديا للناس كافة وصدق الغزالي حين قال:

"فإن محمدا بعث هاديا ، ولم يبعث جابيا"

ش.ز


المصادر
[1] نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم – محمد الغزالي

هناك تعليقان (2):