فبراير
٢٠١٠
على
أبواب مطار القاهرة قرر الكثير من شباب
هذا الشعب استقباله ، من هو ؟!
، هو
الدكتور محمد البرادعي ، رئيس هيئة الطاقة
النووية السابق ، والحاصل على جائزة نوبل للسلام ، ولحظنا ، على الجنسية المصرية أيضا !
.
كنا
كما أسلفت كفقاعة كبيرة فاسدة يكتفي من
يخرج منها بمجرد تأملها من الخارج ، دون
أي محاولة للتدخل أو الغوص فيها ، كنا
نعذرهم بل وكنت أنا أول المطالبين لهم
بالإبتعاد أكثر حتي لا يصابوا بما نحن
فيه ، كان البرادعي كزويل كمجدي يعقوب
كغيرهم من عقول مصر التي تعمل في الخارج
، وكان دخولها هنا يعني توقفها ، وهذا ما
لم نكن نريده.
كنا
ننظر إليهم كمثال على قدرتنا -إن
تهيأت لنا الظروف-
أن نصبح
أعظم الأمم ، وكنا نريد ألا نفقد هذا المثل
أو الأمل ، حتي وإن كان سرابا.
هكذا كان يفعل زويل ، فيزورنا بين الحين والآخر لننهل من خبراته و بصيص أمله ، ثم يرحل عائدا لإكمال رحلته بعيدا ، هكذا كان يفعل أيضا مجدي يعقوب ، يأتي ليجري بعضا من عمليات الإنسانية، ثم يرحل مرة أخرى مع وعد لمرضاه برحلة أمل جديدة ، هكذا كانوا يفعلون ويفعل غيرهم ، مجرد رحلات أمل تحاول إبقاء الحياة في روحنا المعنوية التي تحتضر ، أما ما فعله البرادعي فكان شيئا مختلفا ، فقد قرر الرجل بعد نهاية رحلة عمله الدولية ، ورغم ما يؤهله لإكمال هذه الرحلة من إمكانيات ، إذ به يعلن أنه في طريق عودته لبلاده "مصر" ليمارس نشاطه الحقوقي والسياسي !!.
باستغراب
كبير استقبل المصريون هذا القرار ، و
باستنفار شديد استقبله النظام ، وبدأ
يرسل سهامه الصحفية تجاه البرادعي ، بعد
أن كان يمتدح فيه منذ أعوام قليلة عندما
قلده مبارك بنفسه قلادة النيل ، استقبل
الشباب البرادعي بالورود ، فقد أيقظ فيهم
حلما أرادوه ، فأخيرا صار لديهم من يصلح
لمنصب الرئاسة بعد أن أبعد النظام الجميع
وتم إقصائهم لصالح ابن الرئيس ، أو الرئيس
المنتظر.
تكلم
البرادعي وأعلن وبكل وضوح فساد الأوضاع
في البلاد ، وبرغبته في العمل لتغيير هذه
الأوضاع ، زاد استغراب المصرين وكنت منهم
، أهناك من يستطيع قول هذا الكلام ؟!
، تخيل
البعض أن البرادعي يستقوي بالخارج ، ولكن
هذا لم يكن يعنينا ، فهذا إن صح فيعني أن
الخارج أصبح غير راض عن مبارك و عن خطته
للتوريث ، وهذا في الحقيقة ما بتنا نحن
نرفضه أيضا.
لم يكتفي
البرادعي بإعلان رغبته فقط ، وإنما أعلن
استراتجيته لتنفيذها ، جمعية وطنية
للتغيير ، و حملة لجمع التوقيعات لتعديل
المواد المعيبة في الدستور بالإضافة إلى
إقامة انتخابات رئاسية حرة نزيهة ، كفاح
سلمي ، لا مكان له فيه للصدام ، ولا
للمزايدات الحزبية والسياسية ، فاجتمع
حوله الجميع ، متشبثين بأمل جديد.
سألت
بائع الجرائد عن البرادعي ، فابتسم ساخرا
، وأخبرني بتشككه في نواياه ، وأنه ما
داموا قد تركوه ليتحدث ، إذن فهو معهم ،
وهي تمثيلية كبيرة يلعبونها علينا !!
، لم
يكن هذا رأي بائع الجرائد فقط ، ولكنه كان
رأي الكثير من المتعلمين أيضا ، حاولت
إقناعهم أن هذا لا يهم ، ما دامت النتيجة
هي التغيير ، ولكن ثقافة "اللي
نعرفه أحسن من اللي منعرفوش"
كانت
هي السائدة ، حتي عندما كنت أحاول أن
أقنعهم بالتوقيع على الوثيقة التي أصدرتها
الجمعية الوطنية للتغيير ، كانت الإستهانة
بتأثيرها شيئا لا يمكن إغفاله في نفوس
المصريين.
وللحق
أقول ، فوثيقة البرادعي لم تستطع أن تنبش
قبور الفقراء ، رغم مطالبته لهم بأن يدركوا
تأثير السياسة على قوتهم الذي يبحثون عنه
، ولكن حاجتهم كانت أعلى صوتا من كلماته
، نبش البرادعي قبور النخبة والشباب ،
أيقظهم بل ووحدهم وراء مطالب موحدة ،
النخبة لم تكن بالكبيرة ، ولا المنظمة ،
ولا ذات المصالح الموحدة ، ولكنها ولأول
مرة كانت متفقة على شئ واحد ، ربما لا
تأثير له ، ولكنه الإتفاق في حد ذاته كانت
معجزة تحققت !
.
بالطبع
لم يفعل البرادعي أكثر من ذلك ، وأنتظر
منا الكثير من العمل ، فلم يجد ، فنحن قد
ظنناه المهدي المنتظر الذي سيخلصنا ،
ولكنه كان يحاول فقط مساعدتنا كي نفك
قيودنا بأنفسنا ، فرحل وجاء ، وجاء ورحل
، أما نحن ، فوقعنا على وثيقة التغيير ،
وأنتظرنا ما سيكتبه لنا المستقبل ،
بالإضافة إلى تصميم إعلان يحمل صورته
ويعلن تأيدنا له رئيسا !!
.
******************
يونيو
٢٠١٠
قال
لي حلاقي ذات يوم :
لسنا
من أصحاب الطموح يا بيه ، نحن نريد أن نعيش
، وفي هذه البلاد من يمشي بجوار الحيط ،
بيعيش …
قلت
له :
هذا
ذل وهوان ، من حقك أن تتنازل عن طموحك
سياسيا كان أو ماليا ، ولكن ليس من حقك أن
تُسرق أو تُنهب أو تُمنع من السير في وسط
طريق تملكه ، حاول أن تعدل منطقك ، وليكن
، من يمشي صح وبالقانون ، يعيش .
كنت
أقول له هذا ، وأحاول أن أنفذه في حياتي
، كنت لا أخاف شرطيا ما دمت لست مجرما أو
أحمل أوراقي ، كنت أنظر إليه بقوة ، فأراه
يتراجع أمامي ، عرفت فيما بعد ذلك أنه
تراجع لظنه أنني لدي من يساندني ، كنت كما
قلت للرجل متنازلا عن حقوقي السياسية ،
ولكنني لم أكن أتنازل عن حقوقي الإنسانية
، ألا أهان أو أشعر بانعدام الكرامة في
بلادي.
كان
البعض يرى أننا بالفعل مهانيين ومنعدمي
الكرامة في بلادنا ولكنني كنت أراها
ابتلاءات يصبنا الله بها ، وربما كان لنا
جزء من المسئولية فيها .
لم
يكن يحدث لي ولا لأحد ممن أعرف ، ما نسمعه
ليل نهار من تجاوزات لأجهزة أمن هذا النظام
الفاسد ، كنت أدرك ما يحدث للإسلاميين من
تضييق و تقييد للحريات ، و لكنني لم أكن
متأكدا مما يحدثوننا عنه من انتهاكات و
تعذيب يتم على أيد هذه الأجهزة لهؤلاء ،
ولم نكن لنصدق أبدا حتى بدأت هذه الإنتهاكات
تطال غير الإسلاميين ، تطال أي من حاول
الإبتعاد عن الحائط الذي يسير جواره ،
انتهاكات بدأ بفضحها بعضا مما اعتدوا
عليهم ، عنما قرروا ألا يخافوا ويقاضوا
من عذبوهم ، وبأيد من تجرؤا و صوروا هذه
الإنتهاكات على أجهزة هواتفهم المحمولة
، بل ونشرها على مواقع الإنترنت ، الإعلام
صار مليئا بهذه القضايا وكذلك مكتب النائب
العام الذي صار مسئولا عن الفصل في هذه
القضايا ، ونحن نتفرج ، لا نعرف أين الحقيقة
، أنصدق أعيننا ؟!
، أم
نصدق نتائج تلك التحقيقات والتي كان
يشوبها عدم النزاهة بالتأكيد ، كون
الداخلية -وهي
المتهمة-
هي
المخولة بجمع الدلائل !!.
قلل
النظام من من عواقب تلك الإنتهاكات ، وعمل
إعلامه على التهوين منها ، وإيضاح كونها
إما أفعال فردية أو أن المصابين فيها
مجرمون و جناة لا يستحقون التعاطف ، الأمر
كاد ينطلي على الجميع ، والمصريون صاروا
كبني اسرائيل يسوموهم فرعون سوء العذاب
، وهم صامتون في انتظار موسى المخلص !!
.تشبث
المصريون بجدارنهم التي يسيرون فيها ،
الإنتهاكات المعلنة لم تكن تتجاوز التعذيب
في البداية ، تطورت مع عدم معاقبة الجناة
إلى انتهاك للأعراض ، و كان من الطبيعي
و مع عدم محاسبة الجناة الحقيقيين أن
يتطور الأمر إلى ما هو أكثر خطورة ، أن
يتطور إلي القتل !!
، ووالذي
كان من أبرزه ما حدث لخالد سعيد !
.
إثنان
من الأمناء يقتلون فتى في الثامنة والعشرين من
عمره في الإسكندرية ، والسبب مجهول ،
القتل لم يكن برصاصة أو بضربة رأس أو ما
شابه ، بل من شدة الضرب و التعذيب !
، انتشرت
صور الفتى على صفحات الإنترنت ، اهتزت
الجدران التي يسير جوارها المصريين ،
شعروا بقرب سقوطها على رؤوسهم ، أدركوا
ضرورة التفكير في الإبتعاد عن الجدران
الآن ، فهي لم تعد المكان الآمن الذي
يتوقعون ، الفتى لم يكن ناشطا سياسيا ،
ولم يكن معارضا للتوريث أو ما شابه ، الفتى
يقال أنه كان يحمل تسجيلا يثبت فسادا لبعض
ضباط الشرطة !!
، نظرة
واحدة لصورة وجه الفتى المشوه تماما تكفي
لإدراك حدوث جريمة ما ، كان أملنا أن نستمع
إلى تفسير لهذه الجريمة ، نأمل معاقبة
جناتها الحقيقيين ، قبل أن تتطور تلك
الإنتهاكات فتطالنا ، ولكن نظام فرعون
الغبي قرر الإستمرار في الإستخفاف ببنى
اسرائيل ، وأعلن أن سبب وفاة الفتى هو
الإختناق بلفافة من البانجو وضعها هو
بنفسه في حلقه !!!!
، هنا
أدرك معظمنا أننا أصبحنا بلا جدران نسير
جوارها ، وأننا أوشكنا أن نصبح كلنا خالد
سعيد.
كلنا
خالد سعيد !
يتبع
في عمرنا ثورة (١) - نبش القبور (٣/٣)
0 التعليقات:
إرسال تعليق