الاثنين، 5 مارس 2012

في عمرنا ثورة (١) : نبش القبور (٤/٢)


فبراير ٢٠١٠

على أبواب مطار القاهرة قرر الكثير من شباب هذا الشعب استقباله ، من هو ؟! ، هو الدكتور محمد البرادعي ، رئيس هيئة الطاقة النووية السابق ، والحاصل على جائزة نوبل للسلام ، ولحظنا ، على الجنسية المصرية أيضا ! .

كنا كما أسلفت كفقاعة كبيرة فاسدة يكتفي من يخرج منها بمجرد تأملها من الخارج ، دون أي محاولة للتدخل أو الغوص فيها ، كنا نعذرهم بل وكنت أنا أول المطالبين لهم بالإبتعاد أكثر حتي لا يصابوا بما نحن فيه ، كان البرادعي كزويل كمجدي يعقوب كغيرهم من عقول مصر التي تعمل في الخارج ، وكان دخولها هنا يعني توقفها ، وهذا ما لم نكن نريده. كنا ننظر إليهم كمثال على قدرتنا -إن تهيأت لنا الظروف- أن نصبح أعظم الأمم ، وكنا نريد ألا نفقد هذا المثل أو الأمل ، حتي وإن كان سرابا.


هكذا كان يفعل زويل ، فيزورنا بين الحين والآخر لننهل من خبراته و بصيص أمله ، ثم يرحل عائدا لإكمال رحلته بعيدا ، هكذا كان يفعل أيضا مجدي يعقوب ، يأتي ليجري بعضا من عمليات الإنسانية، ثم يرحل مرة أخرى مع وعد لمرضاه برحلة أمل جديدة ، هكذا كانوا يفعلون ويفعل غيرهم ، مجرد رحلات أمل تحاول إبقاء الحياة في روحنا المعنوية التي تحتضر ، أما ما فعله البرادعي فكان شيئا مختلفا ، فقد قرر الرجل بعد نهاية رحلة عمله الدولية ، ورغم ما يؤهله لإكمال هذه الرحلة من إمكانيات ، إذ به يعلن أنه في طريق عودته لبلاده "مصر" ليمارس نشاطه الحقوقي والسياسي !!.

باستغراب كبير استقبل المصريون هذا القرار ، و باستنفار شديد استقبله النظام ، وبدأ يرسل سهامه الصحفية تجاه البرادعي ، بعد أن كان يمتدح فيه منذ أعوام قليلة عندما قلده مبارك بنفسه قلادة النيل ، استقبل الشباب البرادعي بالورود ، فقد أيقظ فيهم حلما أرادوه ، فأخيرا صار لديهم من يصلح لمنصب الرئاسة بعد أن أبعد النظام الجميع وتم إقصائهم لصالح ابن الرئيس ، أو الرئيس المنتظر. تكلم البرادعي وأعلن وبكل وضوح فساد الأوضاع في البلاد ، وبرغبته في العمل لتغيير هذه الأوضاع ، زاد استغراب المصرين وكنت منهم ، أهناك من يستطيع قول هذا الكلام ؟! ، تخيل البعض أن البرادعي يستقوي بالخارج ، ولكن هذا لم يكن يعنينا ، فهذا إن صح فيعني أن الخارج أصبح غير راض عن مبارك و عن خطته للتوريث ، وهذا في الحقيقة ما بتنا نحن نرفضه أيضا. لم يكتفي البرادعي بإعلان رغبته فقط ، وإنما أعلن استراتجيته لتنفيذها ، جمعية وطنية للتغيير ، و حملة لجمع التوقيعات لتعديل المواد المعيبة في الدستور بالإضافة إلى إقامة انتخابات رئاسية حرة نزيهة ، كفاح سلمي ، لا مكان له فيه للصدام ، ولا للمزايدات الحزبية والسياسية ، فاجتمع حوله الجميع ، متشبثين بأمل جديد.

سألت بائع الجرائد عن البرادعي ، فابتسم ساخرا ، وأخبرني بتشككه في نواياه ، وأنه ما داموا قد تركوه ليتحدث ، إذن فهو معهم ، وهي تمثيلية كبيرة يلعبونها علينا !! ، لم يكن هذا رأي بائع الجرائد فقط ، ولكنه كان رأي الكثير من المتعلمين أيضا ، حاولت إقناعهم أن هذا لا يهم ، ما دامت النتيجة هي التغيير ، ولكن ثقافة "اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش" كانت هي السائدة ، حتي عندما كنت أحاول أن أقنعهم بالتوقيع على الوثيقة التي أصدرتها الجمعية الوطنية للتغيير ، كانت الإستهانة بتأثيرها شيئا لا يمكن إغفاله في نفوس المصريين.

وللحق أقول ، فوثيقة البرادعي لم تستطع أن تنبش قبور الفقراء ، رغم مطالبته لهم بأن يدركوا تأثير السياسة على قوتهم الذي يبحثون عنه ، ولكن حاجتهم كانت أعلى صوتا من كلماته ، نبش البرادعي قبور النخبة والشباب ، أيقظهم بل ووحدهم وراء مطالب موحدة ، النخبة لم تكن بالكبيرة ، ولا المنظمة ، ولا ذات المصالح الموحدة ، ولكنها ولأول مرة كانت متفقة على شئ واحد ، ربما لا تأثير له ، ولكنه الإتفاق في حد ذاته كانت معجزة تحققت ! .

بالطبع لم يفعل البرادعي أكثر من ذلك ، وأنتظر منا الكثير من العمل ، فلم يجد ، فنحن قد ظنناه المهدي المنتظر الذي سيخلصنا ، ولكنه كان يحاول فقط مساعدتنا كي نفك قيودنا بأنفسنا ، فرحل وجاء ، وجاء ورحل ، أما نحن ، فوقعنا على وثيقة التغيير ، وأنتظرنا ما سيكتبه لنا المستقبل ، بالإضافة إلى تصميم إعلان يحمل صورته ويعلن تأيدنا له رئيسا !! .

******************‬

يونيو ٢٠١٠

قال لي حلاقي ذات يوم :
لسنا من أصحاب الطموح يا بيه ، نحن نريد أن نعيش ، وفي هذه البلاد من يمشي بجوار الحيط ، بيعيش …

قلت له :
هذا ذل وهوان ، من حقك أن تتنازل عن طموحك سياسيا كان أو ماليا ، ولكن ليس من حقك أن تُسرق أو تُنهب أو تُمنع من السير في وسط طريق تملكه ، حاول أن تعدل منطقك ، وليكن ، من يمشي صح وبالقانون ، يعيش .

كنت أقول له هذا ، وأحاول أن أنفذه في حياتي ، كنت لا أخاف شرطيا ما دمت لست مجرما أو أحمل أوراقي ، كنت أنظر إليه بقوة ، فأراه يتراجع أمامي ، عرفت فيما بعد ذلك أنه تراجع لظنه أنني لدي من يساندني ، كنت كما قلت للرجل متنازلا عن حقوقي السياسية ، ولكنني لم أكن أتنازل عن حقوقي الإنسانية ، ألا أهان أو أشعر بانعدام الكرامة في بلادي. كان البعض يرى أننا بالفعل مهانيين ومنعدمي الكرامة في بلادنا ولكنني كنت أراها ابتلاءات يصبنا الله بها ، وربما كان لنا جزء من المسئولية فيها .

لم يكن يحدث لي ولا لأحد ممن أعرف ، ما نسمعه ليل نهار من تجاوزات لأجهزة أمن هذا النظام الفاسد ، كنت أدرك ما يحدث للإسلاميين من تضييق و تقييد للحريات ، و لكنني لم أكن متأكدا مما يحدثوننا عنه من انتهاكات و تعذيب يتم على أيد هذه الأجهزة لهؤلاء ، ولم نكن لنصدق أبدا حتى بدأت هذه الإنتهاكات تطال غير الإسلاميين ، تطال أي من حاول الإبتعاد عن الحائط الذي يسير جواره ، انتهاكات بدأ بفضحها بعضا مما اعتدوا عليهم ، عنما قرروا ألا يخافوا ويقاضوا من عذبوهم ، وبأيد من تجرؤا و صوروا هذه الإنتهاكات على أجهزة هواتفهم المحمولة ، بل ونشرها على مواقع الإنترنت ، الإعلام صار مليئا بهذه القضايا وكذلك مكتب النائب العام الذي صار مسئولا عن الفصل في هذه القضايا ، ونحن نتفرج ، لا نعرف أين الحقيقة ، أنصدق أعيننا ؟! ، أم نصدق نتائج تلك التحقيقات والتي كان يشوبها عدم النزاهة بالتأكيد ، كون الداخلية -وهي المتهمة- هي المخولة بجمع الدلائل !!.

قلل النظام من من عواقب تلك الإنتهاكات ، وعمل إعلامه على التهوين منها ، وإيضاح كونها إما أفعال فردية أو أن المصابين فيها مجرمون و جناة لا يستحقون التعاطف ، الأمر كاد ينطلي على الجميع ، والمصريون صاروا كبني اسرائيل يسوموهم فرعون سوء العذاب ، وهم صامتون في انتظار موسى المخلص !! .تشبث المصريون بجدارنهم التي يسيرون فيها ، الإنتهاكات المعلنة لم تكن تتجاوز التعذيب في البداية ، تطورت مع عدم معاقبة الجناة إلى انتهاك للأعراض ، و كان من الطبيعي و مع عدم محاسبة الجناة الحقيقيين أن يتطور الأمر إلى ما هو أكثر خطورة ، أن يتطور إلي القتل !! ، ووالذي كان من أبرزه ما حدث لخالد سعيد ! .

إثنان من الأمناء يقتلون فتى في الثامنة والعشرين من عمره في الإسكندرية ، والسبب مجهول ، القتل لم يكن برصاصة أو بضربة رأس أو ما شابه ، بل من شدة الضرب و التعذيب ! ، انتشرت صور الفتى على صفحات الإنترنت ، اهتزت الجدران التي يسير جوارها المصريين ، شعروا بقرب سقوطها على رؤوسهم ، أدركوا ضرورة التفكير في الإبتعاد عن الجدران الآن ، فهي لم تعد المكان الآمن الذي يتوقعون ، الفتى لم يكن ناشطا سياسيا ، ولم يكن معارضا للتوريث أو ما شابه ، الفتى يقال أنه كان يحمل تسجيلا يثبت فسادا لبعض ضباط الشرطة !! ، نظرة واحدة لصورة وجه الفتى المشوه تماما تكفي لإدراك حدوث جريمة ما ، كان أملنا أن نستمع إلى تفسير لهذه الجريمة ، نأمل معاقبة جناتها الحقيقيين ، قبل أن تتطور تلك الإنتهاكات فتطالنا ، ولكن نظام فرعون الغبي قرر الإستمرار في الإستخفاف ببنى اسرائيل ، وأعلن أن سبب وفاة الفتى هو الإختناق بلفافة من البانجو وضعها هو بنفسه في حلقه !!!! ، هنا أدرك معظمنا أننا أصبحنا بلا جدران نسير جوارها ، وأننا أوشكنا أن نصبح كلنا خالد سعيد.

كلنا خالد سعيد !

يتبع
في عمرنا ثورة (١) - نبش القبور (٣/٣)

0 التعليقات:

إرسال تعليق