أيا
كان اللقب الذي نحاول التوافق عليه ،
فأيام الرئيس السابق أو المخلوع أو القاتل
أو السفاح أو الطاغية أو غيرها من الألقاب
، كانت ذي نفع كبير !!.
فقديما
لم يكن لدينا تلك الصعوبة في تصنيف البشر
، فكل ما عدا مبارك وعصابته كانوا من
الأخيار ، الإخوان المناضلون ، والسلفيون
المضطهدون ، والليبراليون المعارضون على
صفحات الجرائد و قنوات التلفاز!
.
كانت
عقولنا في راحة ، فالأشرار والفاسدون فقط
هم أتباع مبارك ، والآخرون حتى وإن أخطئوا
، فأخطائهم مبررة بفساد مبارك وأعوانه
الذين تعمدوا بل وأجبروا الكثير للإنجرار
ورائهم والإشتراك في فسادهم .
اليوم
لم يعد هناك وجود لهذه الراحة ، ولم يعد
هناك مكان لهذه المعايير الفاسدة التي
بنينا عليها هذا التصنيف السابق ، فمبارك
لم يعد موجودا ، والأقلية قديما باتت
الأغلبية ، والمعارضون جعلوا يبحثون عن
مبارك ليعارضوه فلم يجدوا ، وصار واجبا
على بعضهم أن يخلقوا طاغيا مثله ليكملوا
طريق المعارضة التي أدمنوه !
،
العقول ارتبكت ، و الصورة التي كانت ساكنة
ولعمر كامل مر على أكثرنا صارت دائمة
الحركة الآن ، والأشرار والأخيار صاروا
يتبادلون الأماكن يوميا ، ومع فقدان معيار
جديد يوقف هذا الإضطراب في تفكيرنا ، صرنا
تائهين ، بل واستقبلنا اليأس ضيفا على صدورنا
هذه الأيام.
ما أدركه الآن ، وما أحاول اقناع الآخرين به ، أن هذه الإختلافات والأزمات التي تحدث على المستوى السياسي والإجتماعي ، هي نتيجة طبيعية لثورة قمنا بها حقيقة على راحة عقولنا تلك ، لم يعد في الوسط السياسي مجالا لتصنيف الأشرار والأخيار الذي كنا نركن إليه سابقا ، فنحن من نشكل الوسط السياسي الآن ، بتفكيرنا بخلافاتنا ومناقشاتنا وانتقاداتنا ومحاولاتنا الجاهدة لوصول لتوافق نراه أحيانا صعب المنال ، أخبر أصدقائي أن لا مجال في مصر بعد الثورة لرئيس يتفق مع مجلس شعبه على طول الخط ، فلما الهلع من خلاف الإخوان مع المجلس العسكري ، وهو القائم بمقام الرئيس الآن ، لم التخوين لفصيل لم يلبث في سلطة منقوصة أكثر من شهرين وهو الذي يخطو خطوته الأولى في ديمقراطية نشاركه نحن فيها بأخطائنا ذات الخطوات ! ، لم التعجب من صعوبة الوصول إلى التوافق ونحن لازلنا نرسم دوائرنا و نحاول البحث عن تقاطعاتها المشتركة مع الآخرين من خلال مواقف تمر علينا جميعا تكشف لنا ما هية الجميع وأيدولوجية أفكارهم ! .
المعيار
الذي أحاول إقناع الكثيرين -ممن
يتهمونني بالإنحياز للإخوان المسلمين-
بأنه
هو من سيجمعنا ، هو معيار مصلحة الوطن ،
هذا المعيار الذي لا يمكن لوطني يعشق
بلاده إخوان كان أو غيره أن يحيد عنه .
يمكن
لمن يريدون التصنيف أن يفعلوه على أساس
هذا المعيار إذن ، ليس من يختلفون وينتقدون
بل ويسبون الإخوان هم أعداء الوطن ، ولكن
من يستقوون بالمجلس العسكري ويدعونه
للإنقضاض على السلطة وخطفها من الإخوان
لمجرد خلافهم السياسي معهم ، هؤلاء هم أعداء
الوطن والأشرار إن أردنا الإصطلاح.
الإخوان
كما قلت سابقا ، ليسوا أفضل فصيل يحكم
البلاد الآن ، ولكنه الأكثر تنظيما ،
والقادر على الحشد ولم الصف ، مما يجعل فكرهم -رغم
عواره-
خير أفكار أكثر نضوجا واكتمالا ولكن كالعادة يشوبها التشتت و انعدام النظام.
ليست
أزمة الدستور هي في سوء اختيار شخصيات أو
في زيادة عدد المقاعد التي أخذتها الأغلبية
كما قد يصورها البعض ، ولكن الأزمة هي في
خطأ شاركت في صناعته تلك الأغلبية باعتمادها
معيار الثقة قبل معيار الكفاءة في اختيار
أعضاء هذه اللجنة ، وهو ما قد لا يؤثر على
صناعة الدستور بقدر ما يؤثر في صناعة
عقلية من يحكم مصر من بعد ثورة قامت لقلب
تلك المعايير المختلة ، ثورة قامت لتجعلنا
نختار الأفضل لبلادنا حتى وإن كان من ألد
خصومنا ، فلا يعقل أن يستمر نمط اختياراتنا
يدور في فلك اختيار مفيد شهاب وزيرا
للتعليم العالي دون أحمد زويل ، و أبو
الغيط وزيرا للخارجية دون نبيل العربي ،
و يوسف بطرس غالي وزيرا للمالية دون حازم
الببلاوي !!!
أخطأت
الأغلبية ؟!
،
نعم ، وربما أميل أنا نحو افتراض حسن
نواياهم ، وأنهم افتقدوا الخيال والتجديد
و تقدير اللحظة التاريخية في التعامل مع
مسألة الجمعية التأسيسية الدستور ،
والواجب علينا هو انتقادهم و إظهار عوار
أفكارهم ، وليس هذا في سبيل الإنتقام
منهم أو تصفية الحسابات ، ولكن في سبيل
استكمال الثورة وتحقيق هدفها الأصعب ،
وهي تغيير العقول والأيدلوجيات التي تربى
عليها شعب مصر وحكامها خلال أكثر من خمسين
عاما أو يزيد.
يمكن
للإخوان وبسهولة العودة إلى أحضان الثورة
بل والإحتماء بها ، بمجرد الكف عن الإدعاء
الدائم بالرغبة في حمايتها من أناس قاموا
بها في الأصل !
،
الواجب عليهم -وهم
أول من يدركون قيمة الجماعة والوقوف في
صف واحد-
أن
يعملوا جاهدين على توحيد صفوف الفصائل
السياسية المتفرقة لبناء وطن يحتاج إلى
جهود الجميع ، وليسقطوا جماعتهم بأيديهم
إن كان سقوط الوطن هو مقابل بقاءها ، فلا
مكان للجماعة ولا مرحبا بها إن سقط الوطن
، ويا مرحبا بهم نواة لجماعة وطنية أكبر
تجمعهم بمن شاركوهم ثورة أبهرت العالم
بحضارتها ، جماعة سنسميها الإخوان المصريين !.
لسنا
على مفترق طرق كما قد يظن البعض ، وإنما
في بداية طريق طويل لتغيير حقيقي ننشده
، يصبح فيه من الطبيعي أن تستيقظ لتجد
اعتصامات لعمال يطالبون بحقوقهم ، و طلاب
يمارسون حقوقهم السياسية ، واضرابات تحدث
هنا وهناك ، وحياة تستمر ودولة تقبل النقد
والمسآءلة ، وتضرب بيد غير مرتعشة على من
يخرجون على القانون ، كبيرهم وصغيرهم ،
الثورة لا زالت حقا مستمرة ، حتى تصبح هذه
الأحداث هي الطبيعية في حياتنا وليس
العكس.
فليعقل
الساسة أمورهم ولينظروا وبعين الدقة إلى
أمانة باتت بأيديهم ، ووطن يكتبون تاريخه
بأنفسهم ، تاريخ سيذكرهم كمجددون أحيوا
آمال أجيال قادمة بأفعالهم ، أو مخربون أماتوا
طموحات هذه الأجيال بتفرقهم وشتاتهم !
هذا
ما كان من أمر السياسة عندي ، فما جاء بذكر
عمرو خالد في عنوان هذا المقال ؟!
حقيقة
فجلّ ما كنت أخشاه طوال تفكيري في أحداث
الأيام الماضية ، أن يسألنا أبناؤنا في
المستقبل عمن عمل جاهدا لخدمة هذا الوطن
وشعبه و تغيير عقليته ومحو جهله دون أي
اعتبار لمصلحته الشخصية ، فلا يمر في
بالنا إلا إجابة واحدة :
عمرو
خالد !!
وللحديث
بقية عن عمرو خالد
تحياتي
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق