الخميس، 26 يوليو 2012

رمضات ٧ : ميثاقا غليظا ...



وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
النساء ٢١

يفزعني ما أراه من تعامل البعض مع الزواج على أنه عقد و علاقة كمثيلاتها من العقود التي يمكن فسخها والانحلال منها !!
يفزعني حين أراهم يتحدثون عنه كتجربة عابرة يمكن الفشل فيها والخروج من باب خروجها الذي شرعه الله لهم (وهو الطلاق) !!
يفزعني حين يشبهونه بثمرة الفاكهةالتي لا يعرفون صلاحها من فسادها وقت شرائها ، وأفزعهم حين أقول أن الزواج عندي غرفة من المفترض أن تبنى من الداخل بلا أبواب !!.

يراني البعض حينها مبالغا ، ويذكرني بما شرعه الله من طلاق يسمح لي بالخروج من هذه الغرفة ، ولكنني أذكرهم حينها بأن الزواج ميثاق غليظ لا يمكن بنائه و حفظ حق غلظته بالتفكير في بناء باب للخروج منه أو حتى التفكير في ذلك ، وما الطلاق إلا نافذة للطوارئ شرعها الله وهو كاره لها حين تستحيل العشرة ويصبح في اكتمالها معصية لله أو تعديا على حدوده !!

فليس الزواج الذي وصفه الله بالميثاق الغليظ كما لم يصف إلا ميثاقه الذي اخذه من انبيائه حين قال ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا الأحزاب ٧) ، ولا الذي جعله الله آية من آياته كخلق السماء والأرض ، بالشئ لذي يمكن التخطيط لهدمه قبل بناءه ، كمن يفكر في كفارة المعصية قبل حدوثها ، فإن قدر عليها ، سولت له نفسه فعلها بمقدرته على كفارتها !!

يقول القرضاوي في كتابه (كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟) :

"ولا ريب أن أساس تكوين الأسرة هو الزواج ، الذي يربط بين رجل و امرأة رباطا شرعيا وثيق العرا ، مكين البنيان ، مؤسسا على تقوي من الله ورضوان ، وقد اعتبر القرآن هذا الزواج آية من آيات الله ، مثل خلق السموات والأرض ، وخلق الإنسان من تراب ، وذلك في قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الروم ٢١) فأشار إلى الدعائم الثلاث التي تقوم عليها الحياة الزوجية ، كما يرشد القرآن ، وهي السكون والمودة والرحمة . ويعني بالسكون سكون النفس من الضطرابها وثورانها توقا إلى الجنس الآخر ، بالإشباع المشروع في ظل مرضاة الله.

وهنا يقاوم القرآن نزعتين منحرفتين :
أولاهما: نزعة الرهبانية المنافية للفطرة ، التي تحرم الزواج ، وتنظر إلى الغريزة الجنسية وكأنها رجس من عمل الشيطان ، وتنفر من ظل المرأة ، ولو كانت أما أو أختا لأنهما أبدا أحبولة الشيطان!.

وثانيهما : نزعة الإباحية التي تطلق العنان للغريزة ، بلا ظابط أو رابط ، وتنادي بحرية الاستمتاع الجنسي بين الرجل والمرأة ، دون ارتباط بمسئولية شرعية ، تتكون من خلالها حياة زوجية ذات هدف ، تنشأ من اسرة مترابطة ، تقوم على أمومة حانية، وأبوة راعية ، وبنوة بارة ، وأخوة عاطفة ، وتتربي في ظلها مشاعر المحبة ، وعواطف الإيثار والتعاون "

وفي الوقت الذي يرى البعض في هذا الميثاق الغليظ قيدا يكتم الحرية ، يري الدين فيه كاتما للحيوانية وباعثا للمشاعر الإنسانية الكريمة ، ومسئولية مشتركة مقسومة بين الطرفين بكل عدل وحكمة ، فكلاهما لديه من الحقوق وعليه من الواجبات ما يساعد على اكمال هذا الميثاق واتمامه بحقه ، وأكرر بحقه ، فليس لأي منهما استخدام حقوقه لإذلال الآخر أو لإهانة كرامته ، فإما الإمساك بالمعروف أو التسريح بإلاحسان ، ففي ذلك ما لا يقطع المودة والرحمة التي بنى عليهما هذا الميثاق الغليظ .

يقول القرضاوي في كتابه (كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟):

"جعل الله عقدة النكاح بيد الرجال ، ويتبعه حق الطلاق ، لأنهم احرص الناس على بقاء الزوجية بما تكلفهم من النفقات في عقدها وحلها ، وكونهم أثبت من النساء جأشا ، وأشد صبرا على ما يكرهون ، وقد أوصاهم الله على هذا بنا يزيدهم قوة في ضبط النفس ، وحبسها على ما يكرهون من نسائهم ، فقال : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا النساء ١٩) ، على أن الشريعة تعطي المرأة حق اشتراط جعل عصمتها بيدها ، لتطلق نفسها إذا شاءت ، واعطتها حق طلب فسخ عقد الزواج من القاضي إذا وجد سببه من العيوب الخلقية أو المرضية كالرجل، وكذا إذا عجز الرجل عن النفقة ، وجعلت للمطلقة عليه حق النفقة مدة العدة التي لا يحل لها فيها الزواج "

فتلك الشراكة الأبدية تستلزم قبل حسن اختيار الشريك -وإن كان هاما- القدرة على التأقلم وتحمل مسئولية حياة مشتركة لا انفراد فيها ، يكون الأساس فيها استقرار هذا الارتباط والحفاظ عليه من منغصات الحياة الطبيعية والمتوقعة الحدوث ، فنري صبر الرجل وحلمه علي امرأته ، ونري حنان المرأة واحتوائها لرجلها ، مما يدعم هذا الميثاق ولا يصيبه بالوهن أو الضعف.

قدسية هذا الميثاق ووصفه بصفة ميثاق الله لأنبياءه ، تجعل من حب الرجل لزوجته ، وحب المرأة لزوجها ، شيئا مقدسا كرسالات الأنبياء ، لا يرتبط بشخصهما بقدر ما يرتبط بصفتهما !!

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.

تحياتي
ش.ز


0 التعليقات:

إرسال تعليق