فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
البقرة ٢٤٩
كثيرا
ما مررت على هذه الآية الكريمة ، وكثيرا
ما استنبطت منها كثيرا من المعاني والعبر
، ولكنها لم تبخل على بالمزيد عندما قرأتها
مؤخرا ولا أظنها ستبخل علي في المستقبل
!!
إلا
من اغترف غرفة بيده !!،
النهر كان اختبارا ، وهناك من نجح في
الاختبار ولم يشرب ، وهناك من فشل في
الاختبار وشرب حتى ارتوي ، فلِم قبل طالوت
من اغترف غرفة بيده وساوهم بمن لم يشرب
قطرة منه ؟!
.
كان
طالوت مقدرا لحالة جنوده وعطشهم الشديد
، فهل كان هذا سببا لتجاوزه على هؤلاء ؟!
في
الحقيقة فما فعله طالوت هو ما يمثل طبيعة
علاقة الله بعباده ، فليس الله بمتصيد
لأخطاء عباده ، بل إنه خالقهم وأعلم الناس
بضعفهم ، ولذا فالله يتقبل عباده المخطئين
، بل إنه إن لم يفعلوا لاستبدلهم بمن يخطئ
فيستغفر ربه فيغفر له كما قال نبيه في
حديثه الشريف :
“والذي
نفسي بيده !
لو لم
تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون
، فيستغفرون الله ، فيغفر لهم” رواه مسلم
فلا
يغُضب الله خطأ عباده بقدر ما يُغضبه
تماديهم في أخطائهم ، فمن اغترف غرفة من
الذنب خير ممن ارتوي منه حتى شبع ، فإن
كان الخطأ مما جبل عليه الإنسان ، فالإسراف
فيه مما جبل عليه الشيطان ، وهو ما يبعد
العبد عن خالقه وعن أبواب رحمته.
يقول
الشيخ عبد اللطيف السبكي في كتابه (نفحات
القرآن الكريم)
:
“وقد
تجاوز الله لهؤلاء عن غرفة باليد الواحدة
، واعتبرهم في حكما من المستجيبين ،
واستثناهم من الشاربين المبعدين ، فجعلهم
كمن لم يطعمه ولم يذقه.
ومن
سنة الله في معاملة خلقه ، أن المسئ قليلا
-كهؤلاء
المغترفين – أقرب إلى مرضاته ، وأولى
بالقبول من المسرف ، ضرورة أن التريث في
الخطيئة والاقتصاد في المعصية ، نزوع إلى
الخشية ، وجانب من التقوى .
والله
عز شأنه يضاعف الحسنات ، وإن كانت مثقال
ذرة”
فبجهادهم
لأنفسهم ، وايقافهم لها في نصف طريق
المعصية ، استحقوا منزلة أقرب ممن نسوا
ربهم وأسرفوا في مصيته بل ويأسوا من تقديره
لقلة خطئهم!
اللهم
اغفر لنا أخطآئنا ولا تجعلنا من المسرفين.
تحياتي
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق