السبت، 18 أغسطس 2012

رمضات ٣٠ : يحمل أسفارا …


مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
الجمعة ٥


أعاذنا الله أن نكون مضرب هذا المثل ، وأن نكتفي مما أُمرنا بفعله وتطبيقه بمجرد حفظه وقرأته ، فمن امتلك العقل لزمه الوعي ، فالحفظ يُنسى وإن طال زمان حفظه ، والفهم يسكن بين الناس حتى رن مات صاحبه ودفن في القبور.

ولا يعد المثل الذي ضربه الله تعالى تقليلا من الحمار أو إهانة له ، فالحمار مخلوق من مخلوقات الله مهمته ليس إلا مجرد الحمل ، فهذا ما سخره الله له ، فليس هذا تقليل من فهمه ، ولكنه فعله في حدود إمكانياته وما قدره الله له ، بل إنه أحيانا يكون أكثر فهما من الإنسان الذي زينه الله بعقله الذي أشقاه !!.

يقول الشعراوي :

"فالحمار يفهم أحيانا أكثر من الإنسان ، فالحمار يأكل حتى يشبع ، فإن قدمت له أشهي الأطعمة لا يأكل بعدها أبدا ، أما الإنسان فقد أتعبه هواه ، فإن أكل وشبع ، فما أن تقدم له ما يحلو له ، رأيته قداتبع هواه فأكل حتي وإن كان في ذاك ضرره !!”

فالعيب ليس في التشبه بالحمار ، فليتنا كنا مثله ، فهو يعمل بكامل ما أنعم الله عليه من القدرة ، بل ويحمل ما فاق قدرته أحيانا ، العيب في الإنسان الذي ترك درة خلق الله فيه ، وهو عقله ، وجعل يحمل الأشياء ولا يعيها ، كمن تنازل عن آدميته ، وقرر أن يسيره الآخرون بعد أن تنازل عن تسيير الله له وحمل أمانته !.

فالعمل بالكتاب هو غاية حمله ، وحمل الكتاب ليس الحمل علي الظهور والتزيين في السيارات والبيوت ، كما أنه ليس حتى مجرد الحمل في الصدور ، أو القراءة و الترتيل ليل نهار ، حمل الكتاب هو حمل كل حياة المرء على آياته ، فيكون في أفعاله وأقواله وبين جوارحه ، يجيب عن أسئلته أنى أصبح ، وكيف أمسى ، يواسيه في أحزانه ، يؤازره في أفراحه ، يكفيه كلامه ، ويعلي من صمته ، هدى ونور ، ومنهج حياة يثبت كل يوم قوته و دقته !!.

حمل الكتاب أن تكون كما كان نبي الرحمة ، قرآنا يمشي على الأرض ، إقرأ ألف آية على من تشاء من خلق الله ، لن يكون لذاك أثرا بقدر تنفيذ آية واحدة منهما في حياتك ، وما كان للتطبيق أن يكون صحيحا إلا عن حسن تدبر و وعي و اتصال بالواقع الذي نعيش فيه.

يقول القرضاوي في كتابه (كيف نتعامل مع القرآن) :

روى ابن عبد بر في (جامع العلم) عن علي رضي الله عنه : ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه ، ولا في علم ليس فيه تفهم ، ولا في قراءة ليس فيها تدبر .

وقال ابن عباس رضـى الله عنهما : لأن أقرأ (إذا زلزلت) و (القارعة) أتدبرهما ، أحب إلي من أن أقرأ البقرة وآل عمران تهذيرا.

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه : لأن أقرأ القرآن في شهر أحب إلي من أن أقرأه في خمس عشرة، ولأن أقرأه في خمس عشرة أحب إلي من أن أقرأه في عشر ، ولأن أقرأه في عشر أحب إلي من أن أقرأه في سبع : أقف وأدعو.

وذلك أن الأناة في القراءة تتيح الفرصة للتأمل والتدبر ، وهي الغاية المنشودة من القراءة.

والقرآن -كما قال أديب العربية والإسلام مصطفى صادق الرفاعي- كلام من النور ، أو نور من كلام.

والمتأمل في القرآن يجده زاخرا بجوامع الكلم ، وجواهر الحكم ، وكنوز المعارف ، وحقائق الوجود ، وأسرار الحياة ، وعوالم الغيب ، وذخائر القيم ، وروائع الأحكام ، وعجائب التوجيه ، وغرائب الأمثال ، وبينات الآيات ، وسواطع البراهين ، وبالغ النذر ، ولذا قالوا : إن في القرآن علم الأولين والآخرين ، وقال ابن عباس : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله ”

حاولت في رمضات هذا العام ، أن أكمل تدبري لكتاب الله ، حاولت أن أعي ما كررت قراءته لأعوام وأعوام مضت ، حاولت أن أرى به واقعنا ، أن أجعله كتابا يحملنا لا نحمله ، فهو بكنوزه يستطيع أن يسعنا ، أما نحن بكل ما امتلكنا من علم لا نستطيع أن نكمل حمله ووعيه .

ما كان من صواب فهو بفضل الله وهداه ، و من بعده فمن علماء ثقات بحثت دائما في كلماته على ما يدعم تدبري وتفكيري ، وما كان من خطأ فهو من جهلي وغفلتي وقلة علمي التي أدعو الله تعالى أن يغفرها لي ، وأن يهبني علما استخدمه في طاعته ونشر دينه تعالى

روى ابراهيم عن علقمة قال : صليت إلى جنب عبد الله (يعني : ابن مسعود) فافتتح سورة (طه) فلما بلغ : (رب زدني علما) [طه ١١٤] قال : (رب زدني علما) .. (رب زدني علما).

رب زدني علما ..

كل عام وأنتم بخير.

والسلام
ش.ز

ملحوظة :
بقى لي أن أشكر مصممة الهمزات (ج.م) جهاد مصطفى، وهي من صمم كل صور رمضات هذا العام ، شكر الله لها صنعها ، وجعله مما يشهد لها يوم القيامة من القرآن.

0 التعليقات:

إرسال تعليق