مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
الجمعة ٥
أعاذنا
الله أن نكون مضرب هذا المثل ، وأن نكتفي
مما أُمرنا بفعله وتطبيقه بمجرد حفظه
وقرأته ، فمن امتلك العقل لزمه الوعي ،
فالحفظ يُنسى وإن طال زمان حفظه ، والفهم
يسكن بين الناس حتى رن مات صاحبه ودفن في
القبور.
ولا
يعد المثل الذي ضربه الله تعالى تقليلا
من الحمار أو إهانة له ، فالحمار مخلوق
من مخلوقات الله مهمته ليس إلا مجرد الحمل
، فهذا ما سخره الله له ، فليس هذا تقليل
من فهمه ، ولكنه فعله في حدود إمكانياته
وما قدره الله له ، بل إنه أحيانا يكون
أكثر فهما من الإنسان الذي زينه الله
بعقله الذي أشقاه !!.
يقول
الشعراوي :
"فالحمار
يفهم أحيانا أكثر من الإنسان ، فالحمار
يأكل حتى يشبع ، فإن قدمت له أشهي الأطعمة
لا يأكل بعدها أبدا ، أما الإنسان فقد
أتعبه هواه ، فإن أكل وشبع ، فما أن تقدم
له ما يحلو له ، رأيته قداتبع هواه فأكل
حتي وإن كان في ذاك ضرره !!”
فالعيب
ليس في التشبه بالحمار ، فليتنا كنا مثله
، فهو يعمل بكامل ما أنعم الله عليه من
القدرة ، بل ويحمل ما فاق قدرته أحيانا ،
العيب في الإنسان الذي ترك درة خلق الله
فيه ، وهو عقله ، وجعل يحمل الأشياء ولا
يعيها ، كمن تنازل عن آدميته ، وقرر أن
يسيره الآخرون بعد أن تنازل عن تسيير الله
له وحمل أمانته !.
فالعمل
بالكتاب هو غاية حمله ، وحمل الكتاب ليس
الحمل علي الظهور والتزيين في السيارات
والبيوت ، كما أنه ليس حتى مجرد الحمل في
الصدور ، أو القراءة و الترتيل ليل نهار
، حمل الكتاب هو حمل كل حياة المرء على
آياته ، فيكون في أفعاله وأقواله وبين
جوارحه ، يجيب عن أسئلته أنى أصبح ، وكيف
أمسى ، يواسيه في أحزانه ، يؤازره في
أفراحه ، يكفيه كلامه ، ويعلي من صمته ،
هدى ونور ، ومنهج حياة يثبت كل يوم قوته
و دقته !!.
حمل
الكتاب أن تكون كما كان نبي الرحمة ، قرآنا
يمشي على الأرض ، إقرأ ألف آية على من تشاء
من خلق الله ، لن يكون لذاك أثرا بقدر
تنفيذ آية واحدة منهما في حياتك ، وما كان
للتطبيق أن يكون صحيحا إلا عن حسن تدبر و
وعي و اتصال بالواقع الذي نعيش فيه.
يقول
القرضاوي في كتابه (كيف
نتعامل مع القرآن)
:
“روى
ابن عبد بر في (جامع
العلم) عن
علي رضي الله عنه :
ألا لا
خير في عبادة ليس فيها تفقه ، ولا في علم
ليس فيه تفهم ، ولا في قراءة ليس فيها تدبر
.
وقال
ابن عباس رضـى الله عنهما :
لأن
أقرأ (إذا
زلزلت) و
(القارعة)
أتدبرهما
، أحب إلي من أن أقرأ البقرة وآل عمران
تهذيرا.
وعن
زيد بن ثابت رضي الله عنه :
لأن
أقرأ القرآن في شهر أحب إلي من أن أقرأه
في خمس عشرة، ولأن أقرأه في خمس عشرة أحب
إلي من أن أقرأه في عشر ، ولأن أقرأه في
عشر أحب إلي من أن أقرأه في سبع :
أقف
وأدعو.
وذلك
أن الأناة في القراءة تتيح الفرصة للتأمل
والتدبر ، وهي الغاية المنشودة من القراءة.
والقرآن
-كما
قال أديب العربية والإسلام مصطفى صادق
الرفاعي-
كلام
من النور ، أو نور من كلام.
والمتأمل
في القرآن يجده زاخرا بجوامع الكلم ،
وجواهر الحكم ، وكنوز المعارف ، وحقائق
الوجود ، وأسرار الحياة ، وعوالم الغيب
، وذخائر القيم ، وروائع الأحكام ، وعجائب
التوجيه ، وغرائب الأمثال ، وبينات الآيات
، وسواطع البراهين ، وبالغ النذر ، ولذا
قالوا : إن
في القرآن علم الأولين والآخرين ، وقال
ابن عباس :
لو ضاع
لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله ”
حاولت
في رمضات هذا العام ، أن أكمل تدبري لكتاب
الله ، حاولت أن أعي ما كررت قراءته لأعوام
وأعوام مضت ، حاولت أن أرى به واقعنا ، أن
أجعله كتابا يحملنا لا نحمله ، فهو بكنوزه
يستطيع أن يسعنا ، أما نحن بكل ما امتلكنا
من علم لا نستطيع أن نكمل حمله ووعيه .
ما
كان من صواب فهو بفضل الله وهداه ، و من
بعده فمن علماء ثقات بحثت دائما في كلماته
على ما يدعم تدبري وتفكيري ، وما كان من
خطأ فهو من جهلي وغفلتي وقلة علمي التي
أدعو الله تعالى أن يغفرها لي ، وأن يهبني
علما استخدمه في طاعته ونشر دينه تعالى
روى
ابراهيم عن علقمة قال :
صليت
إلى جنب عبد الله (يعني
: ابن
مسعود)
فافتتح
سورة (طه)
فلما
بلغ : (رب
زدني علما)
[طه ١١٤]
قال :
(رب
زدني علما)
.. (رب
زدني علما).
رب
زدني علما ..
كل
عام وأنتم بخير.
والسلام
ش.ز
ملحوظة
:
بقى
لي أن أشكر مصممة الهمزات (ج.م)
جهاد
مصطفى، وهي من صمم كل صور رمضات هذا العام
، شكر الله لها صنعها ، وجعله مما يشهد
لها يوم القيامة من القرآن.
0 التعليقات:
إرسال تعليق