الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

رمضات ١٨ : ليس البر ..


لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
البقرة ١٧٧


قال ابن عباس في هذه الآية :
"ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا"

فمن الناس من يفهم الأمر على مظهره ، ومنهم من يفهم أصله ومقصده ، وهذا ما أراد الله أن يبينه في هذه الآية فما كان البر -وهو التوسع في الخير- في الاهتمام في أي جهة نولي وجوهنا حين نصلي ، ولكن الإيمان التي سيعيده إلينا هذا الإتجاه ، ،ما تنفقه أيدينا من نعم رزقها الله لنا كوسيلة كي ننفقها على عباده ، وصله بيننا وبين ربنا ، وزكاة تزكي أموالنا ، وعهد نقطعه على أنفسنا فلا نخون ، وصبر على الحق ، وهي أفعال إن ادركناها ، أدركنا الخير ، في أي جهة كنا قد وجهنا وجوهنا.

يقول الشعراوي :
"وانظروا إلى مطلوب البر، ومتعلقات البر التي تتطلب منكم المشقة، ولا تختلفوا في المسألة السهلة اليسيرة التي لا يوجد فيها أدنى تعب مثل مسألة تغيير اتجاه القبلة، فإن كنتم تعتقدون أن ذلك هو البر نقول لكم: لا، البر له مسئوليات تختلف، إن متعلق البر هو أن يختبر صدق الإيمان، ويظهر الإيثار لمطلوب الله على الراحة، ويتطلب من المؤمن أن يقبل على الطاعة وإن شقت عليه، ويتطلب أن يمتنع المسلم عن المعاصي؛ وأن يعرف أن للمعاصي لذة عاجلة، لكن عقابها كبير، كل ذلك هو من مطلوبات البر والإيمان، فلا تجعلوا مسألة التوجه إلى الكعبة أو إلى بيت المقدس، أو إلى المشرق هو المشكلة؛ لأن وجوهكم ستتولى إلى جهة ما وإن لم تؤمروا. والبر كما نعلم هو الخير الواسع الذي يشمل كل وجوه الجمال في الكون يقول الحق: "ولكن البر من آمن".”

غير أن المتأمل في الآية لابد أن يدرك مقصد الله في تغيير مفاهيم تقليدية في عقول خلقه عن الكثير من الفضائل ومنها البر ، فالعرب في الجاهلية كانوا أهل مروءة ومكارم أخلاق ، وكانت العصبية القبلية والتفاخر والتباهي هي دوافعهم للإتصاف بها ، فجاء الإسلام ليطهر تلك الصفات الحسنة من الظاهرية والسطحية و الدوافع السيئة ، وليجعلها نقية خالصة لوجهه تعالى.

يقول أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام):
"وقد عقد الأستاذ "جولدزبهر" فصلا في نقط النزاع بين الاسلام والفضائل عند العرب في الجاهلية عنونه "بالدين والمروءة" وهو يتلخص في "إن الإسلام رسم للحياة مثلا أعلى غير المثل الأعلى للحياة في الجاهلية ، وهذان امثلان لا يتشابهان ، وكثيرا ما يتناقضان ، فالشجاعة الشخصية ، والشهامة التي لا حد لها ، والكرم إلى حد الإسراف ، والإخلاص التام للقبيلة ، والقسوة في الانتقام ، والأخد بالثأر ممن اعتدى عليه أو على قريب له أو على قبيلته بقول أو فعل ، هذه هي أصول الفضائل عند العرب الوثنيين في الجاهلية ، أما في الإسلام ، فالخضوع لله والانقياد لأمره ، والصبر ، و إخضاع منافع الشخص ومنافع قبيلته لأوامر الله ، والقناعة وعدم التفاخر بالتكاثر ، وتجنب الكبر و العظمة هي المثل الأعلى للإنسان في الحياة"

ولقد ذكر الله البر في أكثر من موضع ، وأكد أن مناله ليس سهلا بمجرد آداء شعائر دون إيمان يدخل القلب ، واختبارات تستهدف هذا الإيمان تمتحن قوته ، فيقول تعالى في محكم آياته :

لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ
آل عمران ٢٢

والإنفاق ليس بالمال فقط ، وإنما انفاق المشاعر والأخلاق و الجهد و العرق مما نحب أن ينفق لأجلنا ، وحينها نصل إلي كل الخير الذي نريد ، ونريده الله لنا سبحانه.

تحياتي
ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق