الجمعة، 17 أغسطس 2012

رمضات ٢٩ : إياك نعبد ..


إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
الفاتحة ٥


هو حوار الضمائر في هذه الآية ، فنحن نخاطب ربنا ولا نراه ، نخاطبه جمعا وليس فرادى ، فربنا قريب فخاطبناه وكأنه حاضر أمامنا فقلنا بضمير الحاضر "إياك" ولم نقل بضمير الغائب "إياه” ، وقوة عبادتنا في اجتماعنا عليها ، بل إنه أحد أهم أهدافها ، فجعل الله خطابنا له بصيغة الجمع "نعبد” ولم يجعلها بصيغة الفرد "أعبد” ، وكأنه يبعث رسالة بين كلماته ، إن اجتمعوا في عبادتي ، ولا تتفرقوا.

يقول الشعراوي :

"إذن فهناك حاضر وغائب ومتكلم .. الغائب هو من ليس‪ ‬موجوداً أو لا نراه وقت الحديث .. والحاضر هو الموجود وقت الحديث .. والمتكلم هو‪ ‬الذي يتحدث. وقضايا العقيدة كلها ليس فيها مشاهدة، ولكن الإيمان بما هو غيب عنا‪ ‬يعطينا الرؤية الإيمانية التي هي كما قلنا أقوى من رؤية البصر‪.‬
فالله سبحانه‪ ‬وتعالى حين يقول "الحمد لله رب العالمين" .. "الله" غيب "ورب العالمين" غيب‪ .. "‬والرحمن الرحيم" .. "غيب" .. و"مالك يوم الدين" غيب .. وكان السياق اللغوي يقتضي‪ ‬أن يقال إياه نعبد. ولكن الله سبحانه وتعالى غير السياق ونقله من الغائب إلي الحاضر‪ .. ‬وقال: "إياك نعبد" فانتقل الغيب إلي حضور المخاطب .. فلم يقل إياه نعبد .. ولكنه‪ ‬قال: "إياك نعبد" .. فأصبحت رؤية يقين إيماني‪.
فأنت في حضرة الله سبحانه وتعالى‪ ‬الذي غمرك بالنعم، وهذه تراها وتحيط بك لأنه "رب العالمين" .. وجعلك تطمئن إلي‪ ‬قضائه لأنه "الرحمن الرحيم" أي أن ربوبيته جل جلاله ليست ربوبية جبروت بل هي ربوبية‪ "‬الرحمن الرحيم" فإذا لم تحمده وتؤمن به بفضل نعمه التي تحسها وتعيش فيها. فأحذر من‪ ‬مخالفة منهجه لأنه "مالك يوم الدين‪".
حين يستحضر الحق سبحانه وتعالى ذاته بكل‪ ‬هذه الصفات .. التي فيها فضائل الألوهية، ونعم الربوبية .. والرحمة التي تمحو‪ ‬الذنوب والرهبة من لقائه يوم القيامة تكون قد انتقلت من صفات الغيب إلي محضر الشهود‪ .. ‬استحضرت جلال الألوهية لله وفيوضات رحمته .. ونعمه التي لا تحد وقيوميته يوم‪ ‬القيامة"

فاستشعر اللحظة وأعلم أنك تخاطب الحق القيوم ، واستشعر رؤيته ، رؤية قلبية إيمانية ، تستلزم الرهبة والخشوع ، والتذلل والخضوع ، والإحسان في صلاتك ، فتعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك !!.

وهنا تأتي حكمة الجماعة في الصلاة ، فأنت إن قابلت عظيم في الأرض تخشاه ، تمنيت لو اصطحبت شخصا معك لمقابلته ، فما بالك وأنت تقابل عظيم السموات والأرض ، كانت مقابلتك له مع الآخرين من تمام العبادة و تحسين لها ، وتقليل لأخطائها ، فأخطاء الجماعة تقل كثيرا عن اأخطاء الفرد ، بل إن الجماعة تصحح من أخطاء الفرد و تصل به إلى مقام حضرة العظيم الذي يخاطبه.

والآن تري الناس يمارسون من الرياضات الروحية (كاليوجا) ما تحثهم على الاجتماع وممارسة الرياضة في جماعة محاولة لانتقال الطاقة واستمدادها فيما بينهم ، فاجتماع الناس على عمل يزيد من فرص الاستفادة به إلي الحد الأقصى ، وهي علة تفضيل الجماعة على الفرد ، وجعلها القاعدة الأولي في عبادتنا لربنا.

اللهم لا تفرقنا بعد إذ جمعتنا في طاعتك.

والسلام
ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق