إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
الفاتحة ٥
هو
حوار الضمائر في هذه الآية ، فنحن نخاطب
ربنا ولا نراه ، نخاطبه جمعا وليس فرادى
، فربنا قريب فخاطبناه وكأنه حاضر أمامنا
فقلنا بضمير الحاضر "إياك"
ولم نقل
بضمير الغائب "إياه”
، وقوة عبادتنا في اجتماعنا عليها ، بل
إنه أحد أهم أهدافها ، فجعل الله خطابنا
له بصيغة الجمع "نعبد”
ولم يجعلها بصيغة الفرد "أعبد”
، وكأنه يبعث رسالة بين كلماته ، إن اجتمعوا
في عبادتي ، ولا تتفرقوا.
يقول
الشعراوي :
"إذن
فهناك حاضر وغائب ومتكلم ..
الغائب
هو من ليس موجوداً أو لا نراه وقت
الحديث ..
والحاضر
هو الموجود وقت الحديث ..
والمتكلم
هو الذي يتحدث.
وقضايا
العقيدة كلها ليس فيها مشاهدة، ولكن
الإيمان بما هو غيب عنا يعطينا الرؤية
الإيمانية التي هي كما قلنا أقوى من رؤية
البصر.
فالله
سبحانه وتعالى حين يقول "الحمد
لله رب العالمين"
.. "الله"
غيب
"ورب
العالمين"
غيب
..
"والرحمن
الرحيم"
.. "غيب"
.. و"مالك
يوم الدين"
غيب ..
وكان
السياق اللغوي يقتضي أن يقال إياه
نعبد.
ولكن
الله سبحانه وتعالى غير السياق ونقله من
الغائب إلي الحاضر ..
وقال:
"إياك
نعبد"
فانتقل
الغيب إلي حضور المخاطب ..
فلم يقل
إياه نعبد ..
ولكنه
قال:
"إياك
نعبد"
.. فأصبحت
رؤية يقين إيماني.
فأنت
في حضرة الله سبحانه وتعالى الذي غمرك
بالنعم، وهذه تراها وتحيط بك لأنه "رب
العالمين"
.. وجعلك
تطمئن إلي قضائه لأنه "الرحمن
الرحيم"
أي أن
ربوبيته جل جلاله ليست ربوبية جبروت بل
هي ربوبية "الرحمن
الرحيم"
فإذا
لم تحمده وتؤمن به بفضل نعمه التي تحسها
وتعيش فيها.
فأحذر
من مخالفة منهجه لأنه "مالك
يوم الدين".
حين
يستحضر الحق سبحانه وتعالى ذاته بكل
هذه الصفات ..
التي
فيها فضائل الألوهية، ونعم الربوبية ..
والرحمة
التي تمحو الذنوب والرهبة من لقائه
يوم القيامة تكون قد انتقلت من صفات الغيب
إلي محضر الشهود ..
استحضرت
جلال الألوهية لله وفيوضات رحمته ..
ونعمه
التي لا تحد وقيوميته يوم القيامة"
فاستشعر
اللحظة وأعلم أنك تخاطب الحق القيوم ،
واستشعر رؤيته ، رؤية قلبية إيمانية ،
تستلزم الرهبة والخشوع ، والتذلل والخضوع
، والإحسان في صلاتك ، فتعبد الله كأنك
تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك !!.
وهنا
تأتي حكمة الجماعة في الصلاة ، فأنت إن
قابلت عظيم في الأرض تخشاه ، تمنيت لو
اصطحبت شخصا معك لمقابلته ، فما بالك وأنت
تقابل عظيم السموات والأرض ، كانت مقابلتك
له مع الآخرين من تمام العبادة و تحسين
لها ، وتقليل لأخطائها ، فأخطاء الجماعة
تقل كثيرا عن اأخطاء الفرد ، بل إن الجماعة
تصحح من أخطاء الفرد و تصل به إلى مقام
حضرة العظيم الذي يخاطبه.
والآن
تري الناس يمارسون من الرياضات الروحية
(كاليوجا)
ما تحثهم
على الاجتماع وممارسة الرياضة في جماعة
محاولة لانتقال الطاقة واستمدادها فيما
بينهم ، فاجتماع الناس على عمل يزيد من
فرص الاستفادة به إلي الحد الأقصى ، وهي
علة تفضيل الجماعة على الفرد ، وجعلها
القاعدة الأولي في عبادتنا لربنا.
اللهم
لا تفرقنا بعد إذ جمعتنا في طاعتك.
والسلام
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق