الاثنين، 13 أغسطس 2012

رمضات ٢٥ : ومن شاء فليكفر ...


وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ
الكهف ٢٩


ومن شاء فليكفر ..

وهل اعطى الله حرية الكفر لعباده ؟!

نُجيب حينها : بالقطع نعم ، ولكنها حرية مدعومة بمعرفة المكاسب و العواقب ، فلن يعود إيمان المرد على الله بأي شئ يذكر ، فهو غني عن إيمانه ، فإيمانه لصلاح حياته ونفسه ، وأما الكفر فعواقبه (نارا أحاط بهم سرادقها) كما أتبع ربنا في بقية الآية ، وحين تعرف المكاسب والعواقب ، فحرية الاختيار مكفولة ، فها هو الله يوضح غناه عن من سيؤمن به ، ويهدد ويتوعد من يكفر به ، والآن هو دور الإنسان في الاختيار بمشيئته !!

يقول الشعراوي:

والأمر في هذه الآية سبق أنْ أوضحناه فقلنا: إذا وجدنا أمراً بغير مطلوب فلنفهم أن الأمر استُعمِل في غير موضعه، كما يقول الوالد لولده المهمل: العب كما تريد، فهو لا يقصد أمر ولده باللعب بالطبع، بل يريد تهديده وتأنيبه.

وهكذا في: (فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ..) [الكهف: ٢٩] وإلا لو أخذتَ الآية على إطلاقها لَكانَ مَنْ آمن مطيعاً للأمر: ( فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن.. ) [الكهف: ٢٩] والعاصي أيضاً مطيع للأمر: ( وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ..) [الكهف: ٢٩] فكلاهما ـ إذن ـ مطيع، فكيف تُعذِّب واحداً دون الآخر؟

فالأمر هنا ليس على حقيقته، وإنما هو للتسوية والتهديد، أي: سواء عليكم آمنتم أم لم تؤمنوا، فأنتم أحرار في هذه المسألة؛ لأن الإيمان حصيلته عائدة إليكم، فالله سبحانه غنيّ عنكم وعن إيمانكم، وكذلك خَلْق الله الذين آمنوا بمحمد هم أيضاً أغنياء عنكم، فاستغناء الله عنكم مَسْحوب على استغناء الرسول، وسوف ينتصر محمد وينتشر دين الله دونكم.”

فمن علم العواقب أعذر عند الله ، وصار أرمره في يديه ، فإن شاء آمن وإن شاء كفر.

وانظر إلى حكمة رب الكون حين جعل من كفر هؤلاء وسيلة لإثبات حقيقة الإيمان وقوته ، حين جعل القلة ينتصرون بإيمانهم على الكثرة الكافرة ، فأوضح حقيقة الإيمان و وقوة تأثيره في حياة الإنسان ، فليس وجود من يكفر أو كثرة عددهم هو مصدر ضعف للمؤمنين بل إنه اختبارٌ لإيمانهم ، فإن ثبتوا عليه انتصروا ، فليس الدين ولا الإيمان في حاجة لزيادة أعداد تنصره نفاقا ، ولا إلى قمع أصواتٍ تهينه عيانا ، وإنما في حاجة إلي إخلاص قلب واحد ليكفيه الله على كل هؤلاء.

ويكمل الشعراوي تفسيره قائلا :

وقد أراد الحق سبحانه أن يصيح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة في مكة ويجهر بها في أُذن صناديد الكفر وعُتَاة الجزيرة العربية الذين لا يخرج أحد عن رأيهم وأمرهم؛ لأن لهم مكانةً وسيادة بين قبائل العرب.

ولحكمة أرادها الحق سبحانه لم يأْتِ نصر الإسلام على يد هؤلاء، ولو جاء النصر على أيديهم لقيل: إنهم أَلِفُوا النصر وألفوا السيادة على العرب، وقد تعصَّبوا لواحد منهم ليسُودوا به الدنيا كلها، فالعصبية لمحمد لم تخلق الإيمان بمحمد، ولكن الإيمان بمحمد خلق العصبية لمحمد.”

فلا تفزعوا على دينكم ممن يكفرون به ، فما كفرهم إلا إظهارا للإيمان وقيمته ، فما يظهر الأشياد إلا تضادها ، والله مظهر دينه ولو كره الكافرون .

والسلام
ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق