الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

رمضات ١٩ : أقرأ ..


اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
العلق ١


اقرأ ، الخطاب لنبي أمي لا يقرأ ، في أول كلمات ربه إليه ، في خطوة تشبه ولحد كبير تعليم آدم للأسماء ، فكما علم الله آدم الأسماء ، علم خاتم أنبياءه مفتاح هذا العلم ، ألا وهو القراءة.

يقول الشعراوي :

و كان هذا الترتيب في الحوار بين جبريل عليه والسلام و رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما أراد به أن يرد على خصوم الإسلام فيما بعد انتشار الإسلام بعد أربعة عشر قرنا... فقد قال بعض المستشرقين من أعداء دين الله : إن القرآن ليست إلا وسوسات و أحاديث نفس دارت في أعماق نفس محمد أراد الخالق الأكرم أن يوضح لنا أن ذاتية محمد تعرف حدودها و ذاتية الملك جبريل تعرف القدرات التي وهبها الله لها و هي تحمل الرسالة إلى الرسول الكريم .. قال جبريل رسول الله : - اقرأ فيرد رسول الله : - ما أنا بقارئ إن ذلك الحوار يدلنا على أن جبريل الملك قد امتلك قدرة أمر الله لرسول بالقراءة . و لأن رسول الله لم يكن يعرف من أمر بعثة كرسول شيئاً .. و يعرف موقعه من الأمية ,,لذلك قال ( ما أنا بقارئ) إذن... فشخصية الملك جبريل الحامل للرسالة الربانية تتضح بأنه يحمل أمراً علوياً ممن لا يستعصي عليه سبب- إلى شخصية منطقية تعرف صفاتها العادية.. هكذا نرى أمام الشخصيتين كلتاهما تعرف حدود القدرات و قدرة الله المطلقة التي لا تقف أمامها قيود و لا حدود.. و قدرة الرسول التي يعرفها عن نفسه. و يتابع جبريل حمل الأمر الإلهي لرسول الله . ((‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ, ‏خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ‏, ‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ‏, ‏الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ , عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )) هكذا نعرف آفاق من يعلم الرسول القراءة إنه يتعلم القراءة باسم الله القادر على خلق الإنسان من عدم القادر على أن يجعل محمداً رسولاً القادر على أن يعلمه ما لم يتعلمه بشر و لم يتعلمه محمد من البشر. هكذا نتعرف على أن الرسول تعرف في ذلك اللقاء على أنه يتلقى وحياً من الذي لا حدود لقدرته فيقول له الحق بلسان جبريل: -اقرأ باسم ربك الذي خلق إن التعلم الآن هم من لدن من في استطاعته أن يقول كن فيكون..

فقراءة نبي الرحمة كانت بتعليم من لدن حكيم عليم ، ليوجه به خلقه إلى أول طريقه للمعرفة ، لمعرفة دينه ودنياه ، مبتدأ باسم ربهم ، باعث نبيهم بالدين الحق ، وخالقهم وخالق دنياهم.

يقول الشعراوي:

و هكذا كان القرآن مبتدأ باسم الله.. و لذلك فنحن نتلوه باسم الله و لهذا فإن ((بسم الله الرحمن الرحيم)) علينا أن نأخذها من زاويتين : الزاوية الأولى هي زاوية نلحظها في لغة البشر فإذا تكلم إنسان في أمر من الأمور إلى الإنسان الآخر, يريد إقناعه بذلك الأمر بأن ينفذه..فإن الإنسان الذي يتلقى الأمر يتساءل: - باسم من تتكلم أنت معي؟ فقد يقول الإنسان صاحب الرأي الذي يريد أن يقنع به من أمامه: - أنا أتكلم باسم الحاكم أو باسم وكيل النيابة. إذن هناك صفة ما يحملها الإنسان صاحب الرأي ليقنع آخر بأن ينفذ ما يقوله له... فإذا اقتنع الإنسان بمكانه الرأي و بتقدير من أرسل هذا الرأي إليه فإن الإنسان يسلم بما اقتنع به. فما بالنا بالقرآن المنزل من عند الله .. منحنا الكون كله و استخلفنا الله فيه.. فأصبح الإنسان خليفة الله في الأرض.. الفلاح- على سبيل المثال- لم يخلق الأرض و لا يعرف غالبا عدد العناصر التي فيها. و البذور – التي يضعها في الأرض غير مخلوقة بواسطة الفلاح, و المياه التي تنزل من السماء أو تجري في الأنهار.. تعطي الفلاح الفرصة ليزرع.. هذا الفلاح يضيف عمله إلى الأرض بالحراثه.. و يضع البذور في الأرض و يروي النبات في مواعيد محدده.. فيعطيه الله الرزق الوفير. لماذا؟ لأنه أقبل على المادة المخلوقة له باسم الله ..و استقبل الخير شاكراً لله.. و بدأ عمله باسم الله.. إن الفلاح حين يبدأ عمله باسم الله فإنه يعرف أن طاقته ممنوحة له من الله, و الأرض ممنوحة له من الله ..و البذور ممنوحة له من الله .. و النبات هو حصاد جهد الطاقة التي منحها الله في الأرض التي خلقها الله.

فالخيط يبدأ بالقراءة باسم الله ، ولا ينتهي حتي نعي ما نقرأ ، ونفهمه ، وندرك أهميته وسبيلنا إلى تنفيذه ، فما جدوى القراءة الصماء التي لا جدوى لها ، فالقراءة الواعية هي ما توسع مدارك الإنسان ، فهي ما تقوى حجة الإنسان ، وتحميه من أي شر يحيط به ، فأصل العلم هو القراءة ، وما عداه من نقل قد يشوبه الكثير من اللغط والخطأ على لسان من قد يحرفوه تبها لهواهم.

اللهم علمنا ما بنفعنا ، وانفعنا بما علمتنا .

تحياتي
ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق