الجمعة، 28 سبتمبر 2012

استقراء !!



"إن واجب المشتغل في الكيمياء هو العمل واجراء التجربة ، فإن المعرفة لا تحصل إلا بها" ..  جابر بن حيان

يرفض بعضا من المشتغلون بالسياسة خلطها بالدين ، ويدعى البعض الآخر اسبابا لا حصر لها لهذا الرفض ، ومن اهمها : أن الدين اقدس من أن تمسه ألاعيب السياسة المتقلبة والخادعة ، يقولون أن السياسة قذرة لا يجب أن لا يمسها الدين الطاهر ، لا أدري لماذا تذكرت أصحاب الثوب المتسخ الذي لا يريدون تنظيفه !! ، هم في الحقيقة لا يخافون على الدين من السياسة لكنهم يخافون على قذارتهم أن تمسها طهارة الدين !!.

لدي من القناعة ما يشجعني على الادعاء بأن خلطا أو دمجا منضبطا بين الأفكار والأشياء ليس بهذه الصورة من السوء ، بل على العكس فهو منبعا للتطور والتقدم والاكتشاف !!. قد يرى البعض في ذلك خطأ ، قد يرون ذلك من قبيل التفاحة الفاسدة التي تفسد عادة التفاحة الصالحة ، ولكنني هنا لا اتحدث عن التفاح !! ، ولكنني اتحدث عن الكيمياء !! ، اتحدث عن خلطا منضبطا يحاول صاحبه أن يصل لصيغة أفضل ، لاكتشاف جديد قد يساعد على تطور تلك الحياة . لست اتحدث هنا عن العبث بالكيمياء ، وانما اتحدث عن علم الكيمياء ، ذاك الذي قد يصنع دواءا ، وقد يصنع سما ، فالعيب هنا ليس في الفكرة ، وإنما في سوء استخدامها أو العبث بها !!

الكيمياء هنا ليست كيمياء المواد فقط ، الكيمياء هنا هي كيمياء الأفكار والمشاعر والعلوم والآداب والمجتمع ، الكيمياء هنا هي كيمياء البشر ، فإما أن ننجح في ممارستها فنصنع منها فكرا أرقى وعلما أبقى وأدبا قادرا على التعبير عن الانسان في كل زمان ومكان ، وإما أن نفشل فنصنع حروبا و خرابا و غابة لا يستمر فيها سوى القادر على البطش والطغيان !!

ما الذي أثار هذه الفكرة في عقلي -الفارغ من السياسة- الآن ؟!

في الحقيقة ما أثارها هو أنني مقبل على تجربة جديدة ، تجربة ستبحر في كيمياء العلم والأدب لتدمج بينهما !!. تجربة ليست بالجديدة ، ولربما كانت محاولة وسط الاف المحاولات لصناعة كتابة علمية أو أدبية تختلف ، تجربة لن اصنعها عبثا ، ولن اجعل منها غاية لا معنى لها ، وإنما سأجعلها وسيلة نحو بحث علمي أرقى و لغة أدبية أكثر دقة و سلاسة !!.

فالعلم ليس إلا خيالا استطاعت عقول العلماء تحقيقه ، العلم ليس إلا لوحة كالتي رسم فيها دافنشي تصميما لآلته الطائرة قبل أكثر من ٤٠٠ سنة من اختراعها ؟! ، العلم هو فكرة دارت في مخيلة الفلاسفة اكدت لهم كروية الأرض قبل أن يؤكدها العلم بمعطياته بالاف السنين ؟! ، العلم هو الخيال ، وليس الأدب إلا وسيلة لوصف هذا الخيال !!.

يقول ابن الهيثم عن شرح منهجه العلمي :
"يبدأ البحث باستقراء الموجودات وتصفّح أحوال المبصرات وتمييز خواص الجزئيات، ويلتقط باستقراء ما يخص البصر حال الإبصار، وماهو مطرد لا يتغير، وظاهر لا يشتبه في كيفية الإحساس به ، ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدريج والتدريب، مع انتقال المقدمات والتحفظ في الغلط في النتائج"

وهذه هي التجربة التي اقصدها ، فلنبدأ بالبحث إذن ، فلنبدأ باستقراء الموجودات وتصفح أحوال المبصرات وتمييز خواص الجزئيات !!.

لدي في نفسي ما يعزز فكرة أننا لم نعط لتلك المرحلة الوقت والاتقان الكافيين لانجازهما ، هذا ان كنا قد مررنا بها بالفعل ولم نقفز من فوقها!! . اشعر دائما بأننا ينقصنا الكثير من المعرفة ، الكثير من المعرفة ليس فيما نجيد أن نفعله ، وإنما فيما لا نجيده ويمكنه أن يندمج مع ما نحسنه ، اشعر أننا يمكننا تطوير ما بأيدنا ، بمجرد حدوث هذا الاستقراء و بالشكل المناسب القادر على الوصول إلينا !!.

فلنبدأ إذن تلك المعرفة ، بإسلوب أدبي بعيد عن جفاف المقالات العلمية و المعلومات المسردة ، و أقرب إلي حيث الاحساس بالعلم والشعور بمفرداته !! ، فلنبدأ بتسطير رسائل استقرائية علمية و ادبية تساعدنا على الارتقاء في المجالين معا فيتألق فيها الأدب ابتكارا ، ويقطر فيها العلم رقة !!.

"استقراء" هي خلط متعمد بين العلم والأدب ، هدفه هو اظهار العلم أكثر أدبا ، واخراج الأدب أكثر علما !!.

فلنبدأ به ..

ش.ز

يتبع :  عندما يتحدث الضوء !!

"استقراء" سلسلة مقالات ادبية علمية جديدة .. انتظروها في المنتصف من كل شهر ..

0 التعليقات:

إرسال تعليق