الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

في تجربة الإمساك بالقلم .. والكتابة !!



منذ متى وأنا أكتب ؟!

لا أعلم إجابة دقيقة لهذا السؤال ، ربما أتذكر منذ متى احترفت القراءة ، و روايتي الأولى التي قرأتها (دعاء الكروان) ، لكنني في الحقيقة لا أدري منذ متي قررت الأمساك بالقلم لتقليد ما قد كنت أقرأ !!.

ما أذكره أنني مع بداية عامي الثامن عشر صار لدي دفترا صغيرا للجيب كان ممتلأ بأشعار مراهقتي ، أو كما كنت أسميها ، كنت أحاول مضاهاة أشعاري بما كنت أقرأه من شعر أو بما أسمعه من قصائد غنائية كنت أعشقها ، كنت أرى في الشعر ما يمكن أن يعبر عن مشاعري المتدفقة في عقلي المتقد فكرا في ذلك الوقت ، كما كنت أري في بلاغته وطرق نظمه المختلفة التقنية اللازمة لإخراج تلك المشاعر في الإطار الاحترافي الذي كنت أتمنى لكتاباتي أن تصل به إلي الناس ليس فقط لكي يشعروا بها كمشاعر لهم ، وإنما لكي يلتمسوا فيها اسلوبا وصورا أدبية تمتعهم إن لم يجدوا في مشاعري التي أعبر عنها صدى في نفوسهم ! .

يمكنني أن أتذكر بعضا من محاولات كتابة مذكراتي المتكررة ، والتي بائت جميعها بالحفظ ، يمكنني أن أتذكر سلسلة مقالاتي الغارقة في التفلسف والتأمل ، كنت أكتب لذاتي ، و لكنني كنت آمل يوما أن تخرج هذه الأفكار للنور ، ولكنني كنت أريدها أن تخرج ناضجة خالية من الأخطاء ، كنت كمثلي من المبتدئين الذين يخافون النقد ، ولذا شرعت في محاولة الوصول بكتاباتي إلي درجات الاحتراف فجعلت أقارنها بكتابات كبار من أقرأ لهم ، ظنا مني بأن هذا هو ما سينضج كتاباتي قبل أن تخرج للنور ، ولكنني غفلت حينها أن هذا النور هو القادر الوحيد على إنضاج هذه الكتابات دون غيره !

تمنيت أن أكتب شعرا في حكمة المتنبي ، ومشاعر دنقل ، وفلسفة و مفردات درويش ، وفي ورد وعشق نزار ، تمنيت لو امتلكت رصانة نازك الملائكة و قدرة شوقي و حافظ على نظم شعرهما ، ورغم أني كنت - ولا زلت - ممن لا يفهمون أو يشعرون كتابات محفوظ ، إلا أنني داومت على قرائته وتمنيت يوما أن تصبح كتاباتي مرجعا أدبيا يؤرخ للحياة كما كان يفعل ، تمنيت أن أمتلك تلك المفردات والأساليب الأدبية القادرة على إيصال الصورة والأفكار بهذه السلاسة والهدوء ، كنت أتمنى أن أصبح مثله كاتبا يشرح أدبا بين كتاباته ولا يشرح كتاباته بواسطة الأدب !!.

لم أدقق يوما في أسلوب توفيق الحكيم الأدبي ، ولكنني جلست نهما لزرع أفكاره التي يكتبها من خلال مسرحياته وروايته ومقالته في رأسي، أدمنت الحكيم حتي شعرت أنني هو ، وصارت رحلاته وتجاربه في العالم والثفاقة و الفكر هي ذاتها لب أفكاري ، فتمنيت لو كان لدي قلمه الذي يكتب به لأسطر به حروف كلماتي !! ، في ذات الوقت الذي تمنيت فيه أن يقلم مشاعري و يهذبها أسلوب أدبي كإسلوب جبران الهادئ العاصف ، السعيد الحزين ، البسيط الذي تسكنه الفلسفة والتعقيد.

وربما كان شغفي بكل هؤلاء هو ما جعلني أفشل في الوصول إليهم ، أو في مضاهاة كتاباتي بكتاباتهم ، فوجودهم بأصولهم في مخيلتي جعل من محاولاتي تقليدا لا يرقي إليهم ، وكأنني حين كنت أقيم أعمالي ، وكأنني أقيم أعمالهم ، أراجعها بين أفكارهم وتطور أساليبهم ، وليس بين أفكاري أو تطور أسلوبي الشخصي في الكتابة !!.

أذكر اليوم الذي قررت فيه طلب المساعدة ، وبعثت بعضا من خواطري وكتاباتي إلى د. رفعت إسماعيل ليفحصها !! ، أو بالأصح إلى أحد كتابي المفضلين د. أحمد خالد توفيق ، ولا زلت أذكر رسالته التي بعثها إلي ، والتي أذكر بعضا من مضمونها :

صديقي شريف

كتاباتك وإن كان من الصعوبة من الناحية التقنية أن نسميها شعرا أو أدبا ، ولكنني ألمس فيها الكثير من الأفكار التي لابد لها أن تظهر للنور ، ربما ألمس فيها أيضا إلجاما لهذه الأفكار ، نعم إلجاما لهذه الأفكار عن طريق وضعها في قوالب أدبية مكررة رغبة منك في محاولة إخضاع كتاباتك للقواعد الأدبية قبل تذوق الأدب في البداية ، وفي ذلك خطأ شائع كمن يحاول تعليم الطفل قواعد اللغة وحروفها قبل نطقها ، فلا تحاول تعلم قواعد اللغة ولا بلاغتها ولا فصاحتها أو تحاول تتطبيقها دون أن تتذوقها عن طريق قراءة مختلفة تستخلص منها تعودا على هذه القواعد و الفصاحة والبلاغة لا يجد بدونها قلمك فيما بعد طريقا للكتابة بدونها !!.

وفي النهاية أنصحك بالاستمرار صديقي ، وانشر كتاباتك في النور ، وصحح أخطائك ، والتي قد لا ترى لها أثرا في ظلام دفاترك !!

تحياتي
أحمد خالد توفيق
٢٠٠١

وها هنا تم فك أسري !!

وكأنني كنت قبل كلمات الرجل أسيرا في قيود جعلت مني عاجزا عن تقيم نفسي أو تقيم غيري ممن حولي ويحاولون الكتابة ، كنت أرى في أي كاتب لا يرتقي لمثل من كنت أقرأ لهم مجرد عابثا لا يستحق هذا اللقب الرفيع ، صرت بعد كلمات الرجل قادرا على قراءة كلماتي وكلمات الكثير ممن يكتبون حولي بطريقة مختلفة ، رأيت فيهم ذلك المحترف الذي يجيد صياغة كلماته وايصال مشاعره بأقصر الطرق الممكنة ، ورأيت منهم من لا يملك تلك القدرة ولكنه يملك الكثير من المشاعر والأفكار التي يسهب في كتابتها مما يثرى كلماته حتي وإن لم تمتلك الطابع الأدبي .

استطعت بعد كلمات الرجل أن أكمل كتابا مملا كحوارات أفلاطون لمجرد إدراك أفكاره فقط ، استطعت أن أقرأ كتبا تُكتب بعامية مبتذلة لادراك ما فيها من مشاعر متناقضة وفياضة ، لم أعد قادرا على نقد غيري بقدر ما عدت قادرا على تصنيف ما يمكن أن أستمد من كتاباته من فائدة ، لم يعد لدي كاتبا أفضل أو أسوء ، وإنما بات عندي كاتبا أكثر أدبا أو أكثر أفكارا أو كاتبا أكثر علما أو كاتبا يحمل في طيات كلماته ما يمكن أن يفيد !!

منذ كلمات الرجل ، ولم أحاول أن أخضع كتاباتي لأي تقيم يذكر ، لكنني صرت مداوما فقط على مقارنتها بكتاباتي الأقدم ، محاولا البحث عن الجديد فيها ، إسلوبا ، أو لغة ، أو فكرا ، أو حتي شخصا جديدا يكتبها .

فلتكتبوا … ولتجعلوا من حروفكم الأولي التي تكتبوها أطفالكم التي تعلمونهم الحبو فالمشي فالعدو فوق سنون القلم ، وحينها لا ترشدوهم في أي طريق يسيرون ، بل اتركوهم ليفتحوا أبوابا ربما لم يفتحها أحدا قبلهم …

تحياتي
ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق