الخميس، 11 يوليو 2013

رمضات ١ : اصبروا وصابروا …


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ … [ آل عمران ٢٠٠ ]

وفي أول أيام الصيام ، أو قل أيام الصبر عن الطعام ، سنتحدث عن الصبر …
فالصبر هو أساس كل محمود من أخلاق الإيمان ، و هو ركن في معظم العبادات ، وهو زاد النفس ، وأول درجات الوصول إلى الفلاح.

يقول محمد الغزالي :
"الصبر عنصر أصيل فى بقية الأعمال الأخرى من صلاة ونفقة وإصلاح، إنه الخيط الذى جمعها، بل هو فى كيانها كالماء فى صنوف الأحياء..."

ويقول أبو حامد الغرالي في إحياء علوم الدين :
"اعلم أن الصبر ضربان :
أحدهما: ضرب بدني، كتحمُّل‏ المشاق بالبدن والثبات عليها، وهو إما بالفعل، كتعاطي الأعمال الشاقة، إما من العبادات أو من غيرها. وإما بالاحتمال كالصبر على الضرب‏ الشديد، والمرض العظيم، والجراحات الهائلة ، وذلك قد يكون‏ محموداً إذا وافق الشرع. ولكن المحمود التامّ هو الضرب‏ الآخر، وهو الصبر النفسي عن‏ مشتهيات الطبع ومقتضيات الهوى.
ثم هذا الضرب إن كان صبراً عن شهوة البطن والفرج سمِّي "عفَّة".
وان كان على احتمال مكروه‏ اختلفت أساميه عند الناس باختلاف‏ المكروه الذي غلب عليه الصبر.
فإن كان في مصيبة اقتصر على‏ اسم"الصبر" وتضاده حالة تسمي‏ "الجزع والهلع" وهو إطلاق داعي‏ الهوى ليسترسل في رفع الصوت، وضرب الخدود، وشق الجيوب‏ وغيرها.
وإن كان في احتمال الغنى سمِّي‏ "ضبط النفس" وتضادُّه حالة تسمَّى "البطر".
وإن كان في حرب ومقاتلة سُمي"شجاعة" ويضاده "الجب".
وإن كان في كظم الغيظ والغضب‏ سمي"حِلما" ويضاده "التذمُّر".
وإن كان في نائبة من نوائب‏ الزمان مُضجِرة، سُمِّي "سعة الصدر" ويضاده "الضجر والتبرم وضيق‏ الصدر".
وإن كان في إخفاء كلام سمِّي‏ "كتمان السر" وسمي صاحبه‏ "كتوما".
وإن كان عند فضول‏ العيش سمي"زهدا" ويضاده‏ "الحرص".
وإن كان صبراً على قدر يسير من‏ الحظوظ سمي"قناعة" ويضاده‏ "الشَّره" فأكثر أخلاق الإيمان داخل في الصبر."

فالصبر مطلوب "على و عن و في" ، صبرا على كل ما يفيد وتكرهه النفس ، وصبرا عن كل ما يضر وتهواه النفس ، وصبرا على ابتلاء ومحنة تصيبها ويهتز لها إيمانها.

والصبر مطلوب وضروري لكنه ليس كاف ، فالصبر على الحق يقابله صبر على الباطل ، والصبر عن الشر يقابله صبر الخير ، ولذلك أتبعه تعالى بقوله و"صابروا" ، أي أعلوا بصبركم فوق صبر عدوكم عليكم ، وأصبروا على صبركم لتبلغوا غايتكم.

يقول القرضاوي في كتابه "الصبر في القرآن الكريم":
"والقرآن لم يكتف من المؤمنين بمجرد الصبر ، بل طلب منهم درجة آخري بعد الصبر وهي المصابرة .
وصيغة المصابرة تفيد المفاعلة من جانبين ، والمعنى هنا مغالبة الأعداء في الصبر ، ذلك أننا إن كنا نصبر على حقنا ، فإن المشركين يصبرون على باطلهم ، فلابد أن نغلبهم بصبرنا ، وأن يكون صبرنا آكد وأقوى.
ولهذا حكى القرآن عن المشركين استمساكهم بالصبر على ضلالهم وشركهم وتواصيهم بذلك.
ففي سورة الفرقآن يتحدثون عن النبي ساخرين : " أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا .. إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا"
وفي سورة ص يقول الله تعالى حاكيا عنهم : " وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ"
فإذا كا هذا شأن أهل الشرك في التنادي بالصبر على آلهتهم ، فصابروهم أيها المؤمنون وغالبوهم ، بالصبر علي توحيدكم وعقيدتكم ، والاستمرار في تأييد دينكم ، والتضحية في سبيله ."

وليس الصبر هو البلادة ، و إنما الصبر هو تسليم القوي فيما لا يقدر عليه ، واستخدام قوته في توجيه نفسه بعيدا عما تهوى نحو ما هو أصلح لها ، فلا خلط هنا بين سلبية يتكاسل فيها الإنسان عن الفعل و رده ، وبين قدرة إنسان تتحكم بجوارجه وأفعاله ، فيمنعها عن فعل هذا ويجبرها على فعل ذاك ، فإن قدر على دفع بلاءه وتجاوزه ، كان صبره تبلدا مكروها ومذموما.

يقول محمد الغزالي :
"إذا وجدت الصبر يساوي البلادة في بعض الناس فلا تخلطن بينإ تبلد الطباع المريضة وبين تسليم الأقوياء لما نزل بهم"

ويقول أبو حامد الغزالي :
"كل بلاء يقدر الإنسان على دفعه فلا يؤمر بالصبر عليه ، فول ترك الإنسان الماء مع طول العطش حتى عظم تألمه ، فلا يؤمر بالصبر عليه ، بل يؤمر بإزالة الألم. وإنما الصبر على ألم ليس إلى العبد إزالته"

وليس الصبر مدعاة لقهر النفس وكبتها ، وإنما سببا لتهذيبها وتطهيرها ، فليس الصبر ما كان مصحوبا بالعجلة أو بالغضب أو بالحزن أو باليأس أو بشكوى أو تذمر ، فالصبر إن كان مصحوبا بأي من هؤلاء هو أقبح من أن يكون صبرا ، وهو أدنى أن يبلغ المصابرة في مواجهة صبر أهل الباطل على باطلهم ، فالصبر لا يحفظ قيمته وجماله سوي نفس وجوارح صامدة ، تبتسم راضية بأقدار الله واثقة وآملة بنصره وهذا هو الصبر الجميل المأمورون به.

اللهم افرغ علينا صبرا جميلا تصلح به نفوسنا ، و تنصر به الحق على الباطل ، ويبلغنا غايتنا في رضاك.


ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق