مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ...
المائدة ٣٢
تأتي هذه الآية تالية
لقصة قابيل وهابيل ، قصة أول حادثة قتل
على وجه البسيطة ، قصة لم تتوقف وإلى الآن
، قصة لا زالت تتكرر بين بني البشر ليس
فقط بقتلٍ مادي ودماء تراق بينهم ، وإنما
بقتلٍ معنوي صار ينتهك المشاعر والنفوس
ويقتلها أكثر من مرة دون سقوط قطرة دماء
واحدة ، ويتركها أجسادا حية تنبض فيها
قلوب قاسية ميتة تنتظر من يحيها.
فالقصة ليست قصة قتل
قابيل لهابيل ، وإنما قصة كل فاشل قرر أن
يبني مجده على إزاحة من فاقوه نجاحا ،
حقدا وحسدا ، و ظنا منه أن وجودهم هو ما
يعيق تقدمه ، لكنه ما يلبث -
بعد إزاحته لهم –
أن يفهم أن رحيلهم لم يغير حقيقة كونه
فاشلا ضعيفا ، لن يستطيع حتى أن يزيح جثث
نجاحاتهم من طريقه الذي يسير فيه ، كما
فشل قابيل أن يواري جثة أخيه ، وفعلها من
هو دونه في الخلق ، مجرد غرابا لم يملك
قلبه الفاسد ، ولا عقله الضال !!
ومن أجل ذلك كتب الله
معادلته الأبدية ، أن قتل البشرية جميعها
يكون بقتل نفس واحدة فيها بدون ذنب ، وأن
إحيائها يكون بإحياء نفس واحدة فيها
وإنقاذها من الهلاك ، فالله الذي خلقنا
على اختلاف قدراتنا ، لم يجعل نجاحنا سوي
باجتماع تلك القدرات ، فإزاحة إحدها هو
بمثابة فشل للجميع ، والحفاظ على كل منها
هو بمثابة تدعيم لهذا النجاح .
ولذا بات الناجح ليس
فقط من يحقق ما أراد ، وإنما من دعم غيره
لتحقيق أحلامه وطموحاته ، فهو حينها كمن
يحمل تاجا ذهبيا على رأسه ، صار به ملكا
، دون أن يقلل من قيمة ذاك التاج الذهبي
شيئا ، وأما الفاشل الحقيقي ليس من فشل
في تحقيق ما أراد ، وإنما من لم يرتضي نجاح
غيره ، وصار هدفه الأساسي هو إفشال غيره
وفقط ، فهو حينها كمن أصابه المرض ، فبات
همه أن ينقله إلى غيره ظنا منه أن ذلك قد
يشفيه ، وهو في الحقيقة يقتل نفسه ومن
معه.
ربنا ارزقنا القوة
لنحيي قلوب ونفوس عبادك ، و طهر قلوبنا
من أي حقد أو حسد تجاههم ، ولا تجعلنا ربنا
من عبادك المسرفين.
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق