مَّن كَانَ يُرِيدُ
ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ
ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ
اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ...
النساء ١٣٤
الرسالة واضحة للغافلين
، لمن ظن أن الله يملك ثواب الآخرة وفقط
، فتأتي الآية لتؤكد أن الله يملك ثواب
الدنيا وثواب الآخرة ، وأن من أراد أحدهما
أو كلاهما ليس له طريق واحد هو طريق الله
سبحانه وتعالى.
ولعل البعض قد يلاحظ -
كما لاحظت – أن ليس
في الآية ما ينفر من الرغبة في هذا الثواب
الدنيوي ، بل إنه يرشد طلابه إلى الطريق
الصحيح لإيجاده واكتسابه ، وقد يصل ذلك
إلى درجة التشجيع على السعي إليه في هذا
الطريق ، وكيف لا ، وهو يجعل هذا الثواب
من معطيات الله الذي لا تأت أبدا إلا بكل
خير .
يقول رسول الرحمة :
"ليس
منا من ترك دنياه لآخرته ، وآخرته لدنياه."
فالدنيا سلّم وممر
يوصلنا إلى الآخرة ، فمن أرد الدنيا دون
الآخرة كمن أراد ارتقاء سلّما لا نهاية
له ، ومن أراد الآخرة دون الدنيا كمن هدم
سلمه وشق على نفسه طريقه إلى الآخرة ،
فغافلٌ من ظن أن زهد الدنيا هو بتركها
فكيف يزهد في الشئ من ليس يملكه ؟!
يقول القرضاوي في كتابه
"مشكلة
الفقر وكيف عالجها الإسلام"
:
"الزهد
يقتضي ملك شئ يزهد فيه ، والزاهد حقا من
ملك الدنيا فجعلها في يديه ، ولم يجعلها
في قلبه"
فطلب ثواب الدنيا في
الطريق إلى ثواب الآخرة محمود لا شئ فيه
، وطلب ثواب الدنيا دون العمل لثواب الآخرة
مذموم ومنهي عنه ، و أما طلب ثواب الآخرة
منفردا ، فهو شئ لا محل له من الإعراب ،
ولم يذكره الله حتى في كتابه العزيز.
يقول القرضاوي :
"يقول
تعالى في سورة البقرة "مِنَ
النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا
فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ
مِنْ خَلاقٍ … وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ ..
"
البقرة
٢٠٠/٢٠١
لم
يذكر القرآن الكريم القسم الثالث من الناس
-
بحسب
التقسيم العقلي – وهو من لا يطلب إلا حسنة
الآخرة ، وما له في الدنيا من أرب ، وكأنه
سبحانه وتعالى يعلمنا أن هذا الصنف لا
يكاد يوجد في الناس ، بل لا ينبغي أن يوجد
بأي حال "
فالدنيا
هي طريقنا إلي الأخرة ، وليس علينا أن
نجعل منها صحراء جرداء نسير فيها ، وإنما
علينا أن نيسرها لأنفسنا ونمهدها لنصل
إلي سعادة الدارين ، الدنيا والآخرة.
يقول
فهمي هويدي في كتابه "القرآن
والسلطان"
:
"إننا
نسلم أن "الدنيا
ممر لا مقر"
،
وأنها "مزرعة
الآخرة"
،
وأن "المعاش
طريق إلى الميعاد"
إلى
غير ذلك من العبارات التي درج الفقهاء
علي استخدامها ، وأخذت بمأخد ترك الدنيا
وتحقيرها.
ولكن
الأمر المحير هو :
إذا
كانت الدنيا ممرا ، فلماذا لا نحيلها ممرا
مريحا وهينا ، وإذا كانت مزرعة فلماذا لا
نملأها بالورود والزهور ، وإذا كان المعاش
طريقا إلي المعاد ، فلماذا لا نمهد هذا
الطريق ونضيئه ، ونفرشه بالبسط إذا أمكن
؟ .
لماذا
هذا الإصرار على أن يظل الممر مليئا بالحفر
والمنعرجات ، وأن تمتلئ المزرعة بالشوك
والحنضل ، وأن تطفأ أنوار الطريق وتقام
عبره الحواجز بين كل خطوة وخطوة ؟!
"
اللهم
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة و
قنا عذاب النار ..
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق