الأحد، 14 يوليو 2013

رمضات ٥ : ثواب الدنيا ..


مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ...
النساء ١٣٤

الرسالة واضحة للغافلين ، لمن ظن أن الله يملك ثواب الآخرة وفقط ، فتأتي الآية لتؤكد أن الله يملك ثواب الدنيا وثواب الآخرة ، وأن من أراد أحدهما أو كلاهما ليس له طريق واحد هو طريق الله سبحانه وتعالى.

ولعل البعض قد يلاحظ - كما لاحظت – أن ليس في الآية ما ينفر من الرغبة في هذا الثواب الدنيوي ، بل إنه يرشد طلابه إلى الطريق الصحيح لإيجاده واكتسابه ، وقد يصل ذلك إلى درجة التشجيع على السعي إليه في هذا الطريق ، وكيف لا ، وهو يجعل هذا الثواب من معطيات الله الذي لا تأت أبدا إلا بكل خير .

يقول رسول الرحمة :
"ليس منا من ترك دنياه لآخرته ، وآخرته لدنياه."

فالدنيا سلّم وممر يوصلنا إلى الآخرة ، فمن أرد الدنيا دون الآخرة كمن أراد ارتقاء سلّما لا نهاية له ، ومن أراد الآخرة دون الدنيا كمن هدم سلمه وشق على نفسه طريقه إلى الآخرة ، فغافلٌ من ظن أن زهد الدنيا هو بتركها فكيف يزهد في الشئ من ليس يملكه ؟!

يقول القرضاوي في كتابه "مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام" :
"الزهد يقتضي ملك شئ يزهد فيه ، والزاهد حقا من ملك الدنيا فجعلها في يديه ، ولم يجعلها في قلبه"

فطلب ثواب الدنيا في الطريق إلى ثواب الآخرة محمود لا شئ فيه ، وطلب ثواب الدنيا دون العمل لثواب الآخرة مذموم ومنهي عنه ، و أما طلب ثواب الآخرة منفردا ، فهو شئ لا محل له من الإعراب ، ولم يذكره الله حتى في كتابه العزيز.

يقول القرضاوي :
"يقول تعالى في سورة البقرة "مِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ … وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .. "
البقرة ٢٠٠/٢٠١
لم يذكر القرآن الكريم القسم الثالث من الناس - بحسب التقسيم العقلي – وهو من لا يطلب إلا حسنة الآخرة ، وما له في الدنيا من أرب ، وكأنه سبحانه وتعالى يعلمنا أن هذا الصنف لا يكاد يوجد في الناس ، بل لا ينبغي أن يوجد بأي حال "

فالدنيا هي طريقنا إلي الأخرة ، وليس علينا أن نجعل منها صحراء جرداء نسير فيها ، وإنما علينا أن نيسرها لأنفسنا ونمهدها لنصل إلي سعادة الدارين ، الدنيا والآخرة.

يقول فهمي هويدي في كتابه "القرآن والسلطان" :
"إننا نسلم أن "الدنيا ممر لا مقر" ، وأنها "مزرعة الآخرة" ، وأن "المعاش طريق إلى الميعاد" إلى غير ذلك من العبارات التي درج الفقهاء علي استخدامها ، وأخذت بمأخد ترك الدنيا وتحقيرها.

ولكن الأمر المحير هو : إذا كانت الدنيا ممرا ، فلماذا لا نحيلها ممرا مريحا وهينا ، وإذا كانت مزرعة فلماذا لا نملأها بالورود والزهور ، وإذا كان المعاش طريقا إلي المعاد ، فلماذا لا نمهد هذا الطريق ونضيئه ، ونفرشه بالبسط إذا أمكن ؟ .

لماذا هذا الإصرار على أن يظل الممر مليئا بالحفر والمنعرجات ، وأن تمتلئ المزرعة بالشوك والحنضل ، وأن تطفأ أنوار الطريق وتقام عبره الحواجز بين كل خطوة وخطوة ؟! "

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ..


ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق