هي
أول رحلة حقيقية لي في أعماق الأدب الروسي
، واعترف أنها كانت ممتعة جدا !
مع
خطواتك الأولى في "مذلون
مهانون"
،
قد تستشعر الظلمة في جنبات الأحداث
والشخصيات ، فلا داعي للشعور بالخوف ولا
بالغرابة ، فـ "دوستويفسكي"
منذ
البداية آثر أن يوضح أن أطروحته التحليلية
لا تستهدف الحديث عن شخصيات تعيش بيننا
و تظهر في الأضواء أمام العيون ، وإنما
كان يستهدف شخصيات تعيش فينا في ظلمات
أركان نفوسنا ، نشاركها الجسد الواحد ،
ويفرق بينها الظل !
في
هذه الرحلة سوف ترى الحب ليس ضريرا كما
ينعته الكثيرون ، وإنما مغمض العينين
متعمدا ، لا يريد حتى رؤية نفسه في المرآة
ليعرف حقيقته ، ولا الإعتراف بأنه قد أصبح
رغبة لا تمتلك الإرادة ، فيستمر في عناده
أو قل خوفه ، لا يريد أن يطلق بصره حتى
يستقر له الأمر في معركته الأزلية مع
كبريائه ، فيجهز أحدهم على الآخر ، وحينها
سيفتح عيناه ليرى أأجرمت أم أحسنت يداه
؟!!
وبين
سؤال مستتر وحقيقة واضحة يدور الصراع !
والسؤال
المستتر هو :
من
يحمي الآخر ، هل الحب من يحمي الكبرياء
؟!
،
أم الكبرياء من تحفظ الحب ؟!
و
الحقيقة الواضحة هي :
أن
من يتخذ من كبريائه درعا ، لابد له من
إصابة تجرحه وتهينه .
وربما
كانت من ناحية الحب نفسه ومن يحبوه ، عليه
توقع ذلك بلا شك ؟!
وكأن
الكبرياء صارت عبئا علينا أن ننزحه عن
كواهلنا لنبقى حبنا على قيد الحياة !!
،
هذا ما يحاول أن يوهمنا به الشر !!
فالشر
هنا لا يقف متفرجا ، بل إنه يقف مسرعا -
وعلى
غير المتوقع -
في
جانب الحب مستغلا عينيه المغمضتين ، ليكيل
للكبرياء مزيد من الضربات ، فتختلط الأمور
، وتشتعل المعركة بين الكبرياء والحب إلى
حد لا يمكن تخطيه إلا على جراح الآخر !!
الشر
مستغل وقح ، يعلم ما للحب والكبرياء من
سمو و قداسة و نقاء ، ولا يمنعه ذلك من أن
يستغل كل منهما ليخنق به الآخر ، الشر
هو القاتل ، ولكنه يتشح رداء أحدهما إن
أراد إيذاء الآخر ، ويستغل كل ضعف أو قسوة
في أحدهما ليهين الآخر ويذله ، ليجعل منهم
مذلون مهانون ، يبحثون عمن أذلهم وأهانهم
فيمن يشاركونهم الذل والهوان ، والحقيقة
أنه هو من تلاعب بهم ، هو من أذلهم وأهانهم
، هو من استغل نقائهم وسموهم فأغرقهم فيه
!!
وفي
شدة الغرق ننهار ، نبحث عن طوق يخرجنا من ذاك البحر وينجينا من لجّته و دواره ، نبحث عمن تحمّل ألمنا ، عمن تبقى وتحمل كل الذل والإهانة التي أصابته بها ثورتنا دون قصد منا ، نبحث عمن يكون لنا النجاة ، لنسكن في أحضانه ، وفقط !!
والنجاة
حقيقة في البصر والبصيرة ، أن يطلق الحب
بصره ليدرك حقيقته ، وأن يتبصر الكبرياء
ما قد توصله إليه قسوته !!.
النجاة
أن يقف الحب أمام مرآته فلا يخجل منها ،
ولا ينكسر أمامها فيجرح دون قصد كبريائه
ببقايا ذاك الإنكسار .
وأن
يعلم الكبرياء أن العناد هو ما يزيد إهانته
، وأن في الغفران إلتئام جروحه و قوته ،
وأنه هو الإرادة التي يعوزها الحب ، وأن
الحب ما هو عين رغبته !!
النجاة
هي أن تعلم أن ليس الحب ضعفا ، وأن ليس
الكبرياء صلفا ، وأنهما إن أصبحا كذلك ،
لنبتت المهانة والذل في كل منهما ، لتأد
وبكل قسوة حلم الآخر !!
في
هذه الرحلة ستدرك جيدا ماذا عليك أن تعطي
وماذا عليك أن تأخذ ؟!
،
وما هي الحدود التي يجب عندها أن يتوقف
القلب في الحب وفي الكره وفي القسوة وفي
الغفران !!
رحلة
موفقة !!
عن
الكاتب
-----------
فيودوردوستويفسكي ، يقولون أنها ليست أفضل
روياته ، وأنه قد اعترف لنقاده أنه قد
تعجل في كتابتها ولم يحكم صياغتها ، ذاك
ما يجعلنا أتعجب ما الذي سوف أراه إن قرأت
ما أحكم كتابته وصياغته !!
.
لم
أقرأ في الأدب الروسي قبل ديستوفيسكي سوى
القليل من قصص تشيخوف القصيرة (والذي
ينظر إليه كأفضل كتاب القصص القصيرة على
مدى التاريخ)
،
وها أنا أصطدم بأول رواية طويلة مع
ديستوفيسكي ولعله قد أثار إعجابي حقا !!
يبدو
ديستوفيسكي كمعظم الكتاب الروس القادرين
على سبر أغوار النفس البشرية ، أقف احتراما
لقدرته العالية علي ربط أفكار وشخصيات
روايته ربطا جعلني بحق أتعامل معها كأطروحة
بحثية تحليلية مليئة بالأسئلة والأجوبة
.
الكاتب
والكتاب يستحقون الإشادة و النصح بالقراءة.
عن
المترجم
----------
سامي الدروبي ، ليس من السهل أن تجد ترجمة
عربية جيدة لأعمال أجنبية وروسية تحمل
هذه الكم من الفلسفة والتحليل ، لذا وجب
التنويه والإشادة بهذا الدبلوماسي والأديب
السوري سامي الدروبي ، والذي ترجم هذا
الكتاب بل وأثرى المكتبة العربية بأعمال
دوستويفسكي الكاملة، ولعل دراسته للفلسفة
هي ما ساعدته على نقل نبضه بهذه القوة
والوضوح .
وفي
هذا المجال قال عميد الأدب العربي، الدكتور
طه حسين لأحد الصحفيين:
"إنّني
أقرأ ترجمات الدكتور سامي الدروبي للأعمال
الكاملة لدوستويفسكي، والذي يثير إعجابي
أنّ هذا الإنسان مؤسَّسة بكاملها بل أحسن،
ها نحن نرى شخصاً واحداً يقوم بهذا العمل
الجبَّار، فيعطي القارئ العربي والمكتبة
العربية أعمال دوستويفسكي كاملةً
بأسلوب آخذٍ
ولغة جميلة متينة وبفهم عميق لروح المؤلف".
وبسبب
جودة ترجمة الدروبي، وكمالها، قال المستشرق
الروسي كراسنوفسكي:
"لو
كان دوستويفسكي عربياً لما كتب أجمل من
هذا".
تحياتي
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق