إليكِ
يَا مَن تَستَمِعين صَمتي ...
تحيةُ
المهاجرِ إليك ، الصَائم عَن الكَلام لأجلِك ، المُخلصِ لحبِك ،
التائهِ إلا عن طريقِك ، المُنتظرِ الذي طَال انتِظارُه ، فأطَالَ حِلمه وصَبره ،
ولَم يَمَل !.
أما
بَعد ..
فقد
فَاق البِعادُ حدّ الألم ، وبات الحزنُ و الشجنُ وقودَ الندم ، و ضاعت بيننا أي
لغةٍ قد تفقهها رسائلنا ، فأعجَزت الرُسلَ الذين باتوا يحملون بيننا كلماتٍ لا
يفهمونها ، ولا يعرفون لقلوبِ أصحابها مُقاما ولا مُستقر ، وأغلبُ الظنِ أنهم
دفنوها في حقائبهم ، فماتَت غريبةً عنا ، وكلانا يظنُها ماتت عند من أحَب !!.
هَذه
في الحقيقةِ كلماتُ أقلامي إليك ، أقلامي التي ضاقت بصمتي ، فأمسكَت بيدي ، و جَعَلت تنقلُ عنها نبضاتِ قلبي
لتنقشها على الورق ، أقلامي التي تذكّرت ثغرَك الباسم فانتفضت ، لعل ابتسامتك قد
تحررها من حزن كلماتها ، أقلامي التي تذكّرت دمعاتَك التي اسقَطّتُها ، فرقّت ،
وذرفت حبرا لتواسيك وتناجيك من دوني علّها تصلح ما أفسدت ، أقلامي التي أخلَصت لك
ملهمةً تكتبُ من وحيها ولأجّلها و إلى الأبَد !.
أما
أنا فقد لُذتُ بجدرانِ الصمتِ ، مستلقيا وسَطَ صحرائي و على رمالِ التفكيرِ فيك ،
تائها بين سرابِ كلماتٍ وذكرياتٍ تراوني بين الحين والآخر ، لا أسمعُ سوى طرقاتِ قلبِي على ضلوعِ الصَدر ، تُناشدني
الخروجَ إليك ، وإن استطاعَت لاستَخلصَت روحي ، وشقّت جسَدي ، وخرجَت من بين جنباتِه
هَرَبا ، لكنني صِرتُ لها السِجن والسَجّان ، أحبسُها عن الخروجِ ، خوفا أن يذهب شَوقَها
إليك عني ، وهو آخرُ ما تَبقى لدي مِنكِ !
كلُ
ليلةٍ يصارعني الخوف ! ، ذاكَ العَوارُ في نُفوسِنا يُقلقُنا على فُقدانِ مَن نُحِب
، فَنَفقِدُه به ، ذاكَ المرضُ الذي نُجرَحَ
بِه أكثرُ مما نُجرح مِنه ، ذاكَ الذي يَرضَى أن نَعيشَ بِوحدةٍ وأن نَموتَ جُبناء
!! . كلُ ليلةٍ لا أعرفُ مَا الذي يَنتهِي إليه صِراعُنا ، فأنَا وإن هُزمتُ مِنه
، فَلا أموت ، ولا أتَوقَفُ عن قِتَاله ، لعلّه يَمنَحني النَصر يَوما مَللا من جَلَدِي
وإصرَاري !.
كلُ ليلةٍ أتَحسسُ جُدرانِ الصَمتِ ، تُؤلمُني
برُودتها لكنني لا أفَارِقُ الاستِنادَ عليها لحظة من شدة انهاك مشاعري و قلبي . يقولون
: أن طول الاستناد عليها يزيد من ارتفاعها ، فيقسم الأرض و يحجب السماء ، فأقول متجاهلا
: ما بِقلبِي لا يَقسِمُه جِدارٌ ولا تُظِلُه سَماء !!. لكأنها مُحاولةٌ أخرى لزرعِ
الخَوفِ بِداخلي ، فَطِنتُ لها ، فَأجهَضتَها !.
كلُ
ليلةٍ ألتَمِسُ حَال قَلبي ، فَأراهُ لا يَتَغيّر ، هَو قلبُ الرَجلِ سَيدتِي إن
أحَب ، قَد يَحمِلُ خَوفَا يُضعِفَه فَيُخجِله افتِضَاحُ ضَعفِه ، و قَد يَحمِلُ قَسوةً
تُقللُ مِن قُدرتِه على إظهَارِ لَهفتِه وشَوقِه ، و قَد يَحمِلُ كِبرا يَبدو جَفاءً
لمن يَراه ، و قَد يَصمُت كَثيرا ، لكِنّه يَحمِلُ إخلاصَا لِمَن أحَب لا يُمكِنُ لبشريٍ أن يَعرِف مُنتَهاه
!!.
حَبِيبَتي
، رُبَما لَم أَحمِل لكِ مِن الشَوقِ مَا يَكفِي ، و رُبَما لَم أحمِل لَكِ مِن
الصَبر مَا يَكفِي ، و رُبَما لَم أحمِل لَكِ مِن الاعتِذَارِ مَا يَشفِي ، لكِنَني
لَدَيّ مِنَ الإخلاصِ مَا يكفِي أن أصلِح كُل مَا فَات ، وأن أحيي حُبنا إن لم يَكن
لَديك قَد مَات !!.
وخِتاما
، فَحتّي وإن طَال الصَمتُ ، فالإخلاصُ
باقٍ كَما سَطرت ، فَالحبُ ليس قُوتا يَأكُلهُ النَاس حِين يَجُوعُون ، و ليس ذَهبا
يَبيعُونه ويَشتَرون ، و ليس وَردا يَذبَلُ في آنيتِهم كَما يَذبلون ، الحُب حَياة يَعيشُونَها
، ومِن أجلِها يَموتُون !!
اعذُرِي
صَمتِي وطَولَ غِيابِي وقِلةَ رَسائِلي ، فَأمنيَتي ، أَن نُصبِح ظِلّانِ لجَسدٍ
واحدٍ لا رسَائِل بَينَنا …
إلى
لِقاءٍ آخرٍ عِندَ المصَب !
إن
أرَدتِ .. وإن شَاء لَنا الرَب ..
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق