الثلاثاء، 7 يناير 2014

رسالة الصمت والإخلاص ...


إليكِ يَا مَن تَستَمِعين صَمتي ...

تحيةُ المهاجرِ إليك ، الصَائم عَن الكَلام لأجلِك ، المُخلصِ لحبِك ، التائهِ إلا عن طريقِك ، المُنتظرِ الذي طَال انتِظارُه ، فأطَالَ حِلمه وصَبره ، ولَم يَمَل !.

أما بَعد  ..

فقد فَاق البِعادُ حدّ الألم ، وبات الحزنُ و الشجنُ وقودَ الندم ، و ضاعت بيننا أي لغةٍ قد تفقهها رسائلنا ، فأعجَزت الرُسلَ الذين باتوا يحملون بيننا كلماتٍ لا يفهمونها ، ولا يعرفون لقلوبِ أصحابها مُقاما ولا مُستقر ، وأغلبُ الظنِ أنهم دفنوها في حقائبهم ، فماتَت غريبةً عنا ، وكلانا يظنُها ماتت عند من أحَب !!.

هَذه في الحقيقةِ كلماتُ أقلامي إليك ، أقلامي التي ضاقت بصمتي ،  فأمسكَت بيدي ، و جَعَلت تنقلُ عنها نبضاتِ قلبي لتنقشها على الورق ، أقلامي التي تذكّرت ثغرَك الباسم فانتفضت ، لعل ابتسامتك قد تحررها من حزن كلماتها ، أقلامي التي تذكّرت دمعاتَك التي اسقَطّتُها ، فرقّت ، وذرفت حبرا لتواسيك وتناجيك من دوني علّها تصلح ما أفسدت ، أقلامي التي أخلَصت لك ملهمةً تكتبُ من وحيها ولأجّلها و إلى الأبَد !.

أما أنا فقد لُذتُ بجدرانِ الصمتِ ، مستلقيا وسَطَ صحرائي و على رمالِ التفكيرِ فيك ، تائها بين سرابِ كلماتٍ وذكرياتٍ تراوني بين الحين والآخر ، لا  أسمعُ سوى طرقاتِ قلبِي على ضلوعِ الصَدر ، تُناشدني الخروجَ إليك ، وإن استطاعَت لاستَخلصَت روحي ، وشقّت جسَدي ، وخرجَت من بين جنباتِه هَرَبا ، لكنني صِرتُ لها السِجن والسَجّان ، أحبسُها عن الخروجِ ، خوفا أن يذهب شَوقَها إليك عني ، وهو آخرُ ما تَبقى لدي مِنكِ !

كلُ ليلةٍ يصارعني الخوف ! ، ذاكَ العَوارُ في نُفوسِنا يُقلقُنا على فُقدانِ مَن نُحِب ، فَنَفقِدُه به ،  ذاكَ المرضُ الذي نُجرَحَ بِه أكثرُ مما نُجرح مِنه ، ذاكَ الذي يَرضَى أن نَعيشَ بِوحدةٍ وأن نَموتَ جُبناء !! . كلُ ليلةٍ لا أعرفُ مَا الذي يَنتهِي إليه صِراعُنا ، فأنَا وإن هُزمتُ مِنه ، فَلا أموت ، ولا أتَوقَفُ عن قِتَاله ، لعلّه يَمنَحني النَصر يَوما مَللا من جَلَدِي وإصرَاري !.

 كلُ ليلةٍ أتَحسسُ جُدرانِ الصَمتِ ، تُؤلمُني برُودتها لكنني لا أفَارِقُ الاستِنادَ عليها لحظة من شدة انهاك مشاعري و قلبي . يقولون : أن طول الاستناد عليها يزيد من ارتفاعها ، فيقسم الأرض و يحجب السماء ، فأقول متجاهلا : ما بِقلبِي لا يَقسِمُه جِدارٌ ولا تُظِلُه سَماء !!. لكأنها مُحاولةٌ أخرى لزرعِ الخَوفِ بِداخلي ، فَطِنتُ لها ، فَأجهَضتَها !.

كلُ ليلةٍ ألتَمِسُ حَال قَلبي ، فَأراهُ لا يَتَغيّر ، هَو قلبُ الرَجلِ سَيدتِي إن أحَب ، قَد يَحمِلُ خَوفَا يُضعِفَه فَيُخجِله افتِضَاحُ ضَعفِه ، و قَد يَحمِلُ قَسوةً تُقللُ مِن قُدرتِه على إظهَارِ لَهفتِه وشَوقِه ، و قَد يَحمِلُ كِبرا يَبدو جَفاءً لمن يَراه ، و قَد يَصمُت كَثيرا ، لكِنّه يَحمِلُ إخلاصَا لِمَن أحَب لا يُمكِنُ لبشريٍ أن يَعرِف مُنتَهاه !!.

حَبِيبَتي ، رُبَما لَم أَحمِل لكِ مِن الشَوقِ مَا يَكفِي ، و رُبَما لَم أحمِل لَكِ مِن الصَبر مَا يَكفِي ، و رُبَما لَم أحمِل لَكِ مِن الاعتِذَارِ مَا يَشفِي ، لكِنَني لَدَيّ مِنَ الإخلاصِ مَا يكفِي أن أصلِح كُل مَا فَات ، وأن أحيي حُبنا إن لم يَكن لَديك قَد مَات !!.

وخِتاما ، فَحتّي وإن طَال الصَمتُ ، فالإخلاصُ باقٍ كَما سَطرت ، فَالحبُ ليس قُوتا يَأكُلهُ النَاس حِين يَجُوعُون ، و ليس ذَهبا يَبيعُونه ويَشتَرون ، و ليس وَردا يَذبَلُ في آنيتِهم كَما يَذبلون ، الحُب حَياة يَعيشُونَها ، ومِن أجلِها يَموتُون !!

اعذُرِي صَمتِي وطَولَ غِيابِي وقِلةَ رَسائِلي ، فَأمنيَتي ، أَن نُصبِح ظِلّانِ لجَسدٍ واحدٍ لا رسَائِل بَينَنا …

إلى لِقاءٍ آخرٍ عِندَ المصَب !
إن أرَدتِ .. وإن شَاء لَنا الرَب ..


ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق