الأربعاء، 13 أبريل 2011

والنبي تصدق يا عيسى !!


«كنا حزب المثل الأعلى، حزب التضحية والفداء، حزب النزاهة المطلقة، حزب كلا ثم كلا أمام المغريات والتهديدات.. فكيف أدركت روحنا الطاهرة الشيخوخة، كيف تدهورنا رويدا رويدا حتى فقدنا جميل مزايانا ؟ ها نحن نقلب أيدينا فى الظلام، يملؤنا الشجن والشعور بالإثم فوا حسرتاه .»

هكذا ظل عيسى إبراهيم الدباغ يردد متحسرا بعد أن أفقدته الثورة المنصب الرفيع والمستقبل السياسي الواعد الذي كان ينتظره ، لم ترحمه أعاصير الثورة ، وأعتبرته من رموز العهد الماضي ، فأقصته عن وظيفته المرموقة ،  وأعادته إلى نقطة الصفر ليبدأ من جديد.

عيسى هو بطل قصة السمان والخريف لنجيب محفوظ ، والثورة هي ثورة يوليو ، والحزب هو حزب الوفد ، والرواية كلها كانت تدور حول محور واحد ، حول أزمة عيسى ، عيسى الذي رفض تماما التصديق بما حدث بعد الثورة ، أنكر تماما أن كل ما بنى و أسس وخطط  عليه حياته من سلطة ونفوذ قد ذهب ، كان عالقا في صراع نفسي ، كان يتمنى في أي لحظة أن يعود الحال إلى ما هو عليه ، وهذا ما جعله متوقفا ، لا يفكر في المستقبل ، بل ظل عابثا يحاول إستعادة ما فقد دون الإدراك ، أن ما فقد هو أسوء ما كان لديه. 


لم يكن عيسى من كبار الفاسدين ، ولكن كانت تهمته إرتباطه بهم ، عمله تحت ستارهم ، ولأنه كان بعيدا عن مركز الفساد ، وكان يكتفي بالدوران حوله ، فقد فقد كان مؤمنا بما يفعل ، ويرى أنه وإن وجد الفساد ، فليس الذي يطيح بالنظام بأكمله كما حدث ، ولذا كان حانقا على من جعله مساويا للناس بعد أن كان واصيا عليهم.

أكاد أرى أن أزمة عيسى هي ما تبقت لنا الآن من آثار الثورة (ثورتنا الجديدة) في نفوس المصريين ، أزمة سوف تظل ترافقنا لأعوام وأعوام ، حتى تثبت ثورتنا لأشباه عيسى أن الثورة كانت على الحق ، أشباه عيسى ستجدهم حولك في كل مكان ، في الشرطة مثلا ، ضباط لا يصدقون أن ما تربوا عليه و تعلموه لمدة تزيد عن 20 عاما ، عليهم الآن تغييره ، وأن وصايتهم على الوطن قد فُقدت ، وأن عليهم الآن الاعتراف أن هناك من يهتم بمصلحة هذا الوطن أكثر منهم ، وهم من تعلموا أن الأهتمام بمصلحة الوطن هو شيء لا يفهمه سواهم .

في الأعلام ستجد أيضا الكثيرين ، ممن لم يصدقوا أن عليهم الآن إفساح قنواتهم لجميع الآراء دون تحفظ ، ولا زالوا ينتظرون التعليمات ، لمن نفسح ، ومن نمنع ، وعندما لم تأتهم هذه التعليمات بدأ التخبط ، فهم لم يعتادوا على هذه الحرية كي يمارسوها الآن ، ولذا صار علينا توقع المزيد من التخبط.

وفي أفراد الثورة أنفسهم ، هؤلاء المعارضين الذين لم يصدقوا أن الحرية قد أصابتهم ، وأنهم أصبحوا في حلٍ من معارضة نظام قد سقط ، فإذ بهم يفعلوا ما أعتادوا عليه من معارضة أي شيء حتى وإن كانت الثورة نفسها ، للعودة إلى ما كانوا عليه أو ما اعتادوا عليه .

و لم يسلم الشعب نفسه من أشباه عيسى ، فها هو الشعب لا يصدق أن يحاكم رموز فساده ، ويبدأ في تكذيب الجيش تارة ، وتكذيب النيابة تارة ، وحدسي ينبأني أنه عند إدانتهم بالسجن أو الإعدام ، سيُكذب هؤلاء عيونهم ، وسيقيموا المليونيات مطالبين بالأعتراف بأن هناك من خدعهم !!!! .

أشفق كثيرا على أشباه عيسى ، و لا ألومهم على ما هم فيه ، فهذا ما فعله النظام السابق بهم ، نظام أسقطته نفس النظرية ، عندما رفض أن يصدق أن ما يحدث ثورة ، وظل يكابر ويكابر حتى سقط ، دون أن يسقط هذه الفكرة من عقول بعض أفراد شعبه ،لتظل فيهم لن تمحيها إلا الحقائق و مرور الوقت ، و غاية أملي الآن ، ألا يحاولوا زرع هذا الإنكار في نفوس أبنائهم الذين هم أملنا في أن يصبح هذا الوطن يوما وطنٌ مفرغ من أشباه عيسى.

ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق