لم أعتبرها سبة في حقي حين أخبرني أحد زملائي في الصف الأول الإبتدائي أنني ذو أربع عيون ، وإنما جلست أتفكر كثيرا في صحة هذه المقولة !!.
ليس هذا ما أخبرني أبي ، حين ألبسني نظارتي الطبية لأول مرة وأنا لم أتجاوز الخمس سنين ، كل ما أخبرني به أن هذه النظارة هي التي تكمل نظري ، وأنني بسبب مرض ما أصبحت في حاجة إلى لبسها دائما ، لم أشعر بالضيق وقتها ، وبالعكس اعتبرت نفسي مميزا بلبسها، هذا ما فهمته في البداية أيضا من نعت الطفل الزميل في الصف الأول الأبتدائي ، حتى عرفت حين كبرت قليلا أنه كان يقصد الإستهزاء بي ...
لكنني لم أكره النظارة ، وربما أخذت في كرهها عندما استبعدني البعض من اللعب معهم بسببها ، فكنت أعود إلى المنزل مغتاظا ولست حزينا ، لم أكن افهم لماذا يفعلون ذلك ؟! ، أذكر أني كنت أغمض عيني وأنام وأطلب من الله أن يعيد إليّ نظري حين أفيق ، نكاية في هؤلاء الأصدقاء وليس في النظارة ، ولكنه لم يفعل J ، ولذا و بعند طفولي كبير قررت أن أتخذ أصعب قراراتي الطفولية ، أن أخلع نظارتي لمدة أطول ، أثناء اللعب معهم ! .
لو لم تُكتشف بعد السينما ثلاثية الأبعاد ، لما أستطعت أن أشرح لك ما رأيت ، المشهد كان يشبه ولحد كبير ما يحدث عند خلع نظارتك ثلاثية الأبعاد في فيلم يعرض بذات التقنية ، هل جربت هذا من قبل ؟! ، سترى كل شيء بلا حدود، سترى صورا متداخلة مهزوزة ، سترى شخصيات ما ، ولكنك ستجد صعوبة شديدة في تحديد الوجوه أو تعابيرها ، لم أرتبك رغم غرابة المشهد ، بالطبع تظاهرت برؤية كل شيء ، وأنني لم أتأثر بخلع النظارة ! ، ، عرفت الآن لماذا يستبعدونني ، ولكن من قال أني سوف أستسلم ، فلربما في ذلك الضعف قوة ، هكذا قلت لنفسي ، و تقدمت للعب الكرة معهم و في مركز حراسة المرمى !! .
من المفترض أن هذا المركز هو أسوء المراكز لمن هم في مثل حالتي ، ولكنني أخترته لسبب واحد ، لأن حارس المرمى عليه ألا يخاف الكرة ، وفي حالتي لن أخافها أبدا ، لأني في الأصل لن أراها J .
لم أكن بهذه الدرجة من ضعف النظر ، ولكنني في الحقيقة كنت أرى الكرة ولكنني لا أشعر بسرعتها على الإطلاق ، وهذا ما جعلني ثابتا على الدوام ، أدرك سرعة الكرة وهي على بعد أمتار قليلة مني ، وهنا ابدأ في التحرك ، ولحسن حظي كانت الكرة تصدم بي في البداية (وفي وجهي أحيانا) ، فظن الجميع أني حارس مرمى صلب (لا أخشى الكرة J )، وبعد فترة بدأت أنا في تحسين سرعة رد الفعل عندي لتعويض رؤيتى المتداخلة ، نجحت كثيرا ، وساعدني ضعف نظري في الجرأة على المهاجمين وهم قادمون نحوي بالكرة ، فما كنت أخشاهم ، ولا تخدعني مراوغتهم ، لأنني أيضا و ببساطة لم أكن أراها .
أصبحت أكثر إستغلالا لضعف رؤيتي عند الكبر ، فحينما كانت الرؤية الواضحة تخيف الكثيرين ، كنت أنا أخلع نظارتي وكأنني أنزع عن نفسي هذا الخوف ، ولا زلت أذكر عندما اقتحمت متحفا للطفل (قفزا على الاسوار) لمحاولة البحث عن كرة كنا نلعب بها ، وحينها أشهر ضابط أمن مسدسه تجاهي ، فاتجهت نحوه بقوة وثقة وأنا أظنها قماشة سوداء J !! ، وحين كبرت أكثر ، أخذ ضعف النظر بعدا فلسفيا في حياتي ، أصبحت أخلعها للتامل ، وللتخيل ، وألبسها لأرى الواقع وأقارن بينهما !! ..
السخرية التي بدأت بها حكايتي عن النظارة ، إنتهت إلى حسد مضحك في النهاية ، وبالتحديد في الكشف الطبي لدخول الجيش ، حين حاول أحدهم أن يسألني عن كيفية الكشف ، وإن كان الضابط يستخدم كمبيوترا في قياس النظر أم الطريقة التقليدية ؟! ، فأخبرته إنه يستخدم التقليدية ، فأجابني أنه يخشى هذه الطريقة لأن نظره قريب من (- 4) وهو الحد الفاصل لدخول الجيش من عدمه ، حاولت طمأنته ، فاستغرب ثقتي ، فسألني عن نظري فأخبرته أنني (- 8) ، فرد متفاجئا "بسم الله ما شاء الله" !
لا زلت أعشق نظارتي وأرفض عمل أي عمليات لتصحيح نظري ، ليس خوفا من العملية ، ولكن خوفا أن أفقد إحدى خصائصي الربانية ، خصائصي التي جعلت من حياتي فيلما بتقنية ثلاثية الأبعاد ، و نظارتي ما هي إلا مصححا لصورتها .
تحياتي
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق