الجمعة، 12 أغسطس 2011

رمضات 12 : قد أفلح المؤمنون


قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿۱المؤمنون

إذن فالمؤمنون قد أفلحوا وفازوا .
كاد أن يلتبس علي الأمر في صغري ، وظننت أن المسلمون كالمؤمنون ، وأنا بمجرد التزامنا بتعاليم الإسلام سنفلح كما قال ربنا ،وأن صفات المسلمين كصفات المؤمنين ، ولكن ببعض من التمعن اكتشفت أن الأمر ليس سواء ! .

يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

"الإسلام والإيمان كلمتان يتفقان في المعنى إذا افترقا في اللفظ بمعنى أنه إذا ذكر أحدهما في مكان دون الآخر فهو يشمل الآخر وإذا ذكرا جميعاً في سياق واحد صار لكل واحد منهما معنى ..
فالإسلام إذا ذكر وحده شمل كل الإسلام من شرائعه ومعتقداته وآدابه وأخلاقه كما قال الله عز وجل (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ) وكذلك المسلم إذا ذكر هكذا مطلقاً فإنه يشمل كل من قام بشرائع الإسلام من معتقدات وأعمال وآداب وغيرها

وكذلك الإيمان فالمؤمن مقابل الكافر فإذا قيل إيمان ومؤمن بدون قول الإسلام معه فهو شامل للدين كله أما إذا قيل إسلام وإيمان في سياق واحد فإن الإيمان يفسر بأعمال القلوب وعقيدتها والإسلام يفسر بأعمال الجوارح ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) إلى آخر أركان الإسلام ، وقال في الإيمان (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه إلى آخر أركان الإيمان المعروفة ويدل على هذا الفرق قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)

وهذا يدل على الفرق بين الإسلام والإيمان فالإيمان يكون في القلب ويلزم من وجوده في القلب صلاح الجوارح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) ، بخلاف الإسلام فإنه يكون في الجوارح وقد يصدر من المؤمن حقاً وقد يكون من ناقص الإيمان هذا هو الفرق بينهما وقد تبين أنه لا يفرق بينهما إلا إذا اجتمعا في سياق واحد وإما إذا انفرد أحدهما في سياق فإنه يشمل الآخر."

هو وعد الله الذي لا يخلف موعده ، أعطاه لمن آمن و ليس من أسلم ونقص إيمانه ، ولكننا لا نحكم إلا بما تراه أعيننا من أفعال الجوارح ، وليس لنا إلى القلوب سبيل ، فكيف لنا أن نعرف المؤمنون ، أو نعرف مقدار إيمان أنفسنا ؟! ، فأتبع الله وعده بصفات المؤمنين، يقول تعالى :

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿۲

فليست العبرة في الصلاة ، وإنما في إقامتها بخشوع وتذلل لله تعالى ، خشوع يملؤ الفؤاد ، فينتقل منه إلى الجوارح تلقائيا ، فالجوارح ملك القلب، وكلها تخضع له ، فمن ملك فؤاده ملك كل جوارحه.

وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿۳

واللغو هو كل ما لا فائدة منه ، كلاما أو فعلا أو حالا ، فالمؤمن لا يشغل باله بما لا جدوى من حدوثه ، المؤمن يبحث عن الفائدة ، عن النتيجة ، عما يصلح في هذه الأرض ويعمرها ، ولا يضيع وقته بالجدال والمراء وما يفسد صفو المجتمع ويزرع الفتن فيه.

وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿٤

ولمن لا يعرف ، فالزكاة تعني النماء ، فتزكية الشيء ، تنميته و تحسينه ، وهكذا هي زكاة الأموال ، زيادة لها ونماء ، وليس نقصانا كما قد يظن البعض ، وفعل الزكاة ليس بالتظاهر بها ، وإنما بالحرص على آدائها لمن يستحقها دون نقصان أو أذى.

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿۵
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿٦

وهو ما يفرق الإنسان عن الحيوان ، فمن لا يحفظ فرجه عما حُرم عليه ، بات للحيوان أقرب ، وليس المؤمن إلا حافظا لكل جوارحه عما حرم الله ، ولم يذكر الله حفظ الفرج خاصة ، إلا لضرره على المجتمع ، وليس المؤمن بمن يعيث في مجتمعه فسادا ، بل هو أقوى من أن يستسلم لفرجه أو يجعله ملكا على جوارحه ، بعد ان ملأ قلبه بالإيمان.

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴿۸

والأمانة والعهد - كما قال القرطبي في تفسيره - يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا فعلا. والغاية أن الإيمان يشمل حفظ العهد والأمانة ، ورعايتها ، أي البعد عن أسباب ضياع امانة ، أو قطع عهد ، والأمر سواء مع الكافر أو المسلم.  

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿۹

فالحفاظ على الصلاة بعد الخشوع فيها هي من آيات الإيمان ، فالصلاة كبيرة إلا على الخاشعين ، وليست الصلاة هي المقصودة ، وإنما الحرص والشوق إلى لقاء الله ، وهل لنا إلا الصلاة وقتا ومكانا للقاء الله والسجود بين يديه سبحانه ، فمن امتلأ قلبه بالإيمان ، زادت لهفته إلى هذا الميقات الرباني ، بل وتنافس إلى القيام إليه بلا تكاسل .

أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿۱۰

كنت أتساءل ، أو كان يتساءل غيري ، عن جدوى ما نفعل في الإصلاح ونحن نعلم اننا راحلون من الأسوء إلى الأسوء ؟! ، ما لنا لا نجلس ونعتكف حياتنا دون أن نشغل بالنا بالإصلاح أو الإعمار في الأرض ليأتي غيرنا فيهدم ما بنينا ؟! ، أجبت بهذه الآية ، ((أولئك هم الوارثون)) ، فما نحن فيه هي اختبارات للمؤمنين ، هي تصفيه لهم ، هي محاولة لاختبار كل صفة من الصفات السابقة ، فمن سيعبر منها وقلبه لا زال عامرا بالإيمان ، فهو من هؤلاء الوارثين ، الذين وعدهم الله أن يرثوا الأرض ومن عليها.


وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿۱۰۵الأنبياء

وفي الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل الوحي يسمع عند وجهه دويٌ كدوي النحل  ، فأنزل الله عليه يوما ، فمكث ساعةثم سري عنه فقرأ : (( قد أفلح المؤمنون)) إلى عشر آيات من أولها ، وقال : (( من أقام هذه العشر آيات دخل الجنة)) ، ثم استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، اللهم أرضنا وارض عنا .

اللهم آمين .

ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق