بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿۱٦﴾ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴿۱۷﴾الأعلى
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن عطاء، عن عَرْفَجَة الثقفي، قال: استقرأت ابن مسعود( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) ، فلما بلغ:( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) ترك القراءة وأقبل على أصحابه، وقال: آثرنا الدنيا على الآخرة، فسكت القوم، فقال: آثرنا الدنيا؛ لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزُوِيت عنا الآخرة، فاخترنا هذا العاجل، وتركنا الآجل .
فالقضية هنا قضية طبيعة في الإنسان ، يحب ما يراه ، ويؤثره على ما لم يراه ، يحب العاجل ، ولا ينتظر الآجل حتى وإن كان خير مما في يديه ، وهنا يكمن جوهر الإيمان ، فنحن نعبد الله كأننا نراه ، وإن لم نكن نراه فإنه يرانا ، ومن إيماننا ان نؤمن بحدوث آخرته كما وعد ، فإن شككنا فقد قل إيماننا ، او كنا ممن أفسد آخرته بدنياه .
سأل بعض الخلفاء بعض علماء التابعين سؤالاً مثل هذا أو قريباً منه: لماذا نحب الدنيا ونكره الآخرة؟ قيل إن السائل هو سليمان بن عبد الملك سأل أبا حازم ، فقال( لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب ) هكذا حال الإنسان.
وحب الدنيا و إيثارها ضعف ، يجعل المرء في مصاف العبيد لزينتها و نعمها ، فلا يستطيع أن ينصر حقا ، أو يدفع ظلما ، في شأنه أن يمنع تلك النعم عنه ، بل وتصل به إلى الوهن ، إذا ما اجتمعت مع كراهية الموت.
عن أبي عبد السلام ، عن ثوبان ، قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : " بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : " حب الدنيا ، وكراهية الموت "
" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : " بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : " حب الدنيا ، وكراهية الموت "
وليس المعنى هنا هو هو كراهية الدنيا ، أو حب الموت الذي يوصلنا إلى الآخرة التي هي خير وأبقى ، وإنما المعنى هو عدم تضيع الآخرة بالدنيا ، فالدنيا هي مزرعة الآخرة ، و ما لنا فيها من نصيب وحقوق هي خير معين لبناء آخرتنا ، والعهدة على النوايا ، فمن أخلص نيته في كل ما يفعله في حياته على أنه بذرة سيحصدها في الآخرة ، فقد فاز ، تستوي في ذلك كل أفعاله ، في شقاءه وفي ملذاته ، قال تعالى:
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿۷۷﴾القصص
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الخارج من بيته: إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان . صحيح الجامع 1428
و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ
فلا انفصال بين عمل الدنيا والآخرة ، ولكن الحكمة عدم الإلتهاء بالدنيا وتضييع الآخرة ، ليصح فينا قول الله تعالى :
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴿۳۷﴾النور
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق