منذ مدة وأنا اجاهد في إقناع الناس - كما أجاهد نفسي- أن على كل فرد منا نفسه ، أننا لا زلنا نحمل من الطباع والعيوب والنقاط السوداء ما يكفي لتشويه لوحة الوطن المريض والباحث عن البياض !!.
أجاهد كثيرا فلا أجد إلا اليأس والخمول ، فكل فرد منا ينتظر غيره أن يبدأ ، كل منا ينتظر الدافع من غيره ، ولا يحاول أن يبادر فينتج دافعا ذاتيا ينهي به هذه الدائرة المغلقة ، فنظل جميعا ندور وندور ، ننظر إلى غيرنا ، إلى عيوبهم وأخطائهم ، فهي علتنا الوحيدة للبقاء في هذا الفلك الذي اعتدناه ، هي حجتنا ألا نبذل الجهد والتفكير لنفعل الأفضل ، فالشعب لن تتغير ، والفساد سيبقى ، والعسكر سيحكمون ، فلم المحاولة إذن ؟؟!!.
أجاهد وأحاول أن أُفهم الجميع نظريتي ، أن الإنسان يأتيه ما يريد ، إن أراد الدنيا أتته الدنيا ، إن أراد الآخرة أتته الآخرة ، إن أرادهما معا فهما له ، الإرادة هي مفتاح الباب ، فلم الوقوف أمامه عاجزين ؟! ألهذا الحد قد تملكنا الكسل ، ألا نستطيع ان نخرج إرادتنا لنفتح أبواب رغباتنا وأحلامنا ، ألم يقل شوقي أن الدنيا لا تأخذ إلا غلابا ، فما لنا نريد نيلها بالأماني ، لم نبحث عمن يحقق لنا ما نريد ولا نحققه نحن ؟ ، لم نبحث عمن يحقق لنا الديمقراطية ؟!، ومن يضمن لنا الديمقراطية ؟! ومن يدافع لنا عن الديمقراطية ؟! ، لم نريد أن نختصر حياتنا في فتح باب واحد ، و ضمان ما سيحدث وراءه ، لم لا نتأهب لفتح المزيد والمزيد من الأبواب ، والمزيد المزيد من المعارك ؟!.
أجاهد ، لكنني مثل الآخرين ، لم أعتد النظر إلى مرآتي أكثر من النظر إلى الآخرين ، أبحث فيهم عن دوافعي وأنسى دوافع نفسي ، أبحث فيهم عن قوتي وأنسى قوة نفسي ، أبحث فيهم عن رغبتي وأنسى رغبة نفسي ، لم لا نتوقع أهدارا في موارد دولة يفعل فيها شعبها هذا الكم من الإهدار في موارد ذاته ؟! ، لم لا نتوقع فسادا في نظام دولة ترك أفراد شعبها -كسلا - الفساد يستشري في نفوسهم متحججين بما يفعله غيرهم من الفساد الأكبر ؟! .
أجاهد ، وأسأل نفسي كثيرا ، لم نتفق على ما نكره ونقيم من أجله الثورات ، ولا نتفق على ما نحب لنقيم به النهضة ، هل قوة الشر أكبر من قوة الخير ؟!!، أم أن نوازعه داخلنا أكبر تأثيرا من نوازع الخير ؟! ، حاول الإجابة وستعرف ما هي أصل المشكلة ؟! ، ومتى يمكن أن نخرج من عنق الزجاجة ؟ ، أو متى يمكن أن نكسرها ؟ ، أم أن علينا أن نبقى بداخلها لأننا لا يستطيع أن يجمعنا غيرها !! .
أجاهد ، وأذكركم جميعا أن ضماننا ليس في كلمات تكتب في دستور ، أو انتخابات حرة نزيهة ، ضمانننا في أنفسنا ، تلك التي أهملناها لننظر إلى أخطاء الآخرين ونتفنن في إصدار قوانين تحمينا منها ، نفوسنا التي إذا اعتنينا بها لأنتجت مجتمعا حرا متعلما و مثقفا و متراحما فيما بينه، وليس مجتمعا متنافسا في إثبات أفضليته أو صحة آراءه على الآخرين. أما النظر إلى المخطئين فهي وسيلة العدوى الوحيدة لنقل الخطأ وانتشاره بين الجميع بنسب متفاوتة يظن أصحاب النسبة الأقل منها أنهم الأحق بالرفعة رغم أنهم في الحقيقة أفضل المخطئين لا أكثر .
أجاهد ، وأطالب غيري بالمجاهدة ، وزرع الأرض عسى أن تنتج ثمارا يستخدمها الآخرون في مجاهدة أنفسهم لنخرج حينها من هذه الدائرة المغلقة لدوائر متعددة تتوافق ولا تتنافر ، تبني سويا وطنا متجانسا ، وتحميه وتحيطه من كل الإتجاهات لتجعله وطنا حرا كريما آمنا.
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) المائدة (105)
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق