إن أردت أن تعلم نهاية الشيء أو موته ، فأبحث عما فيه من أخلاق ، فإن وجدت ، فهو لا زال يحمل قلبا ينبض ، وإن لم تجد فلتترحم عليه ، فما عاد له وجود !.
أقول هذا لأني كنت ممن ناحوا على الثورة يوم اقتحام السفارة الإسرائيلية ، وما أحاطه من أحداث في ذلك اليوم ، نُحت و أعلنت وفاة ثورتنا السلمية ، وحينها لامني الجميع ، وطالبوني بالتوقف عن البكاء على اللبن المسكوب ، ولكنني في ذلك اليوم حقيقة لم أكن أنع الثورة بقدر ما كنت أنع أخلاقها ، أخلاقها التي ما انفكت عيني و أذني في البحث عنها في كل ما سمعت من أخبار و تعليقات ، ولكنها لم تجدها ، لم تجد سوى صورة مشوشة تنقصها الأخلاق ، وتعوزها الحكمة ، وتحيطها كل الشكوك.
تلك الثورة التي زرعناها في ميدان التحرير ، أنجبت الكثير والكثير من الأشياء في أنفسنا ، أنجبت تلك الأخلاق التي كنا جميعنا نقول أنها إن لم تفعل الثورة إلا عودتنا إليها لكفتنا ، تلك الثورة التي يفزع الكثير من تخيل موتها ، لابد لها يوما من الأيام أن تستريح ، فهي لن تبقى بشكلها الذي زرعناه فيها إلى الأبد ، ولكنها لن تنتهي ما دمنا نقاتل للحفاظ على نتائجها ، ما دامت بذور أخلاقها لا زالت بداخلنا ، فهي الوحيدة القادرة على إحياءها أو ميلاد غيرها من جديد في وجه أي استبداد قد يواجهنا .
وكما هي الأخلاق كانت نتاج لثورتنا ، فهي في الأصل أيضا منتج ديني أصيل ، فما قول محمد عليه الصلاة والسلام :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، إلا إشارة إلى أن الإسلام الذي بعثه الله به بكل شرائعه و أحكامه وأوامره ونواهيه ما هي إلا وسائل مطوعة جميها للوصول إلى هذا الهدف الأسمى ، ولكنك قد تتعجب عندما تسمع عمن يلوثون سمعة الإسلام ويتمسحون في قشوره وشرائعه لا أكثر دون أن ينتج عن آداء تلك الشرائع و السنن إلا التعب والنصب ، ستتعجب عندما تراهم يسبون غير المسلمين بدعوى أنهم يكرهون المسلمين ، وينسون سنة نبيهم الذين ينتسبون إليها وقوله : "ليس المسلم بالشتام ولا اللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء " ، وينسون قوله تعالى في الآية السادسة من سورة الأنعام حين قال : "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون" ، وفي النهاية يتهمونك بأنك أنت الذي لا تريد أن تحكم شرع الله وسنة نبيه في أرضه ، وهم في الحقيقة لا يطبقونها على أنفسهم !!.
فتحكيم شرع الله وسنة نبيه في أرضه ليس بالتمسك بتطبيق شرائعه والتزام أحكامه وأوامره ونواهيه ، الأمر لا علاقة مباشرة له بذلك على الإطلاق ، الأمر له علاقة مباشرة بمنتج هذه الشرائع وليس نصوصها، فهذه الشرائع والأحكام ما جاءت لتحكم بين الناس بقدر ما جاءت لتتمم أخلاق حاكما يحكم بين الناس ، و أخلاق رعية تتراحم فيما بينها ، وعندها ولا شك ستعلم معنى أن الحكم لله وحده.
وها هو أردوغان مثلا ، مثال لحاكم مسلم ، نتاج لتربية دينه ، يحول شرائع دينه إلى أفعال و تفاعلات مع المسلمين ومع غيرهم ، بلا حاجة أن يتظاهر بدينه ليصفق له البعض ممن يحبون مظهر الدين لا جوهره ، ولكنه ما أن تراه في أي من مواقفه ، ستعلم وبصدق ان هذا الحاكم منتج إسلامي بحت.
ولا عجب حينها أن تعلم أن 99% من تركيا مسلمون ، وأن أكبر بعثات الحج السنوية تأتي من تركيا ، لتعلم نتاج هذه المنتج الإسلامي على شعبه ، وأن دستورا خط بالعلمانية لنم يؤثر في دين زرع في الصدور ، فالحاكم إن أتته مكارم الأخلاق فلا حاجة لنا بدينه ، ولا بطرق حكمه ، ما لنا إلا نتاج هذه العلاقة ، أخلاقا يحكمنا بها ، وعدل بين الناس في الجزاء وفي العقاب.
فهل كان يكره أحد أن يحكم الهند وباكستان معا قبل أن ينفصلا رجلا كغاندي وهو هندوسي الديانة ، أكاد أجزم أن المسلمين قبل الهندوس كانوا يودون ذلك ، ولكن الأيد الخفية هي من أخافت الطرفين من بعضهما ، وأشعلت بين الطرفين نار القشور ، القشور التي لا تنتج إلا حكاما ينظرون إلى الشرائع على أنها قوانينا تحكم الناس وليست هديا يربي مجتمعا يحكم نفسه بنفسه وبالقوانين التي يراها مناسبة له ولزمانه.
وصدق شوقي حين قال :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإذا هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق