الخميس، 6 أكتوبر 2011

قائدا وليس رئيسا !!!


"أريد رجلا إذا كان بين القوم كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه واحد منهم"

قالها عمر بن الخطاب واصفا ولاته الذين يختارهم لتولي أمور المسلمين ، كان عمر يشرح صفة من صفات القيادة التي قلما توجد الآن ، هو أن القائد عادة ما لا يعرف بين الصفوف ، القائد يظهر فقط في نتائج قيادته ، وليس معنى ظهوره المادي إلا نهاية هذه القيادة !! .

عمر نفسه كان يتحلى بهذه الصفة ، فهو لم يُعرف رمزا للحكم العادل من خلال قصوره التي جلس فيها أو فرسه وحروبه التي قادها ، وإنما عرف من شجرة وحصيرة نام تحتها و ملابس مرقعة ذهب بها ليستلم مفاتيح القدس ، فقلده الناس في ملابسه المرقعة ولم يقلدوه في فتح القدس !!!!


قد يكون ما ألهمني هذه الكلمات هو موت هذا الرجل ، فرغم ولعي الشديد بأجهزة شركته ذات شعار التفاحة المأكولة ، ورغبتي الشديدة في إقتناء أحدها ، إلا أنني لم أعرف الرجل إلا منذ بضع  شهور عندما سمعت عن خبر تنحيه عن رئاسة شركته !! .

لم يكن ستيف جوبز من محبي الأضواء ، ولم يكن اسمه بذات الشهرة التي عليها "بيل جيتس" مثلا في عالمنا العربي ، ربما لأننا ومنذ نعومة أظافرنا التكنولوجية ، تربينا على ما أتاحته لنا ميكروسوفت من برمجيات في متناول الأيدي ، وكان التنافس حميما بين ميكروسوفت ونفسها (بمبدأ إحتكاري أو قل بالتزكية) على برمجة عقول الجميع على برمجياتها المستحدثة. ولكن وعلى الضفة الأخرى ، كان هناك من يعملون بمنتهى الحب ، بمنتهى العشق ، بمنتهى الشغف ، بمنتهى الإبداع، يحاولون فقط ان يصنعوا الأفضل لا لبيعه ، وإنما لصنع الأفضل ، لم يعشقوا المنافسة ، ولم يدخلوها إلا لتحقيق إبداعتهم الشخصية ، لم يشتروا الشركات لإسقاطها ، وإنما لإحتياجهم لخبرات من فيها ، هؤلاء لم يعرفهم الكثيرون منا ، ربما لغلاء أسعار أجهزتهم التي تقتنى ولا تشترى ، أو لإنشغالنا بمندوبي دعاية ميكروسوفت الذين أقنعونا بأنهم بلا منافس، ورغم ذلك فكلنا كنا نقف وقفة تقدير واحترام وهيبة أمام هذه التفاحة المأكولة ، فقد كانت تعبر وبمنتهى البساطة عن أنها شيء مختلف و مصنوع من طينة أخرى !!! .

مات الرجل ، وربما لم نسمع إلا اليسير عن أفعاله ، أو لم نسمع منه إلا خطبة واحدة ، رحل كما رحل سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب أكتوبر المجيدة ، رحل ولم نسمع عنه بقدر ما سمعنا عن نتائج ما فعل ، رحل و لم نسمع منه وعود أو كلمات كما سمعنا من رئيس جلس 30 عاما في الحكم لم تخلوا نشرة اخبار من ذكره ، أو أي برنامج من تمجيد في إنجازته ، ولكن شتان بين تأثير القائد الحقيقي في ظهوره القليل ، وتأثير القائد المزيف في ظهوره الكثير .

رحل كما رحل الجمسي و عبد المنعم رياض و شفيق مترى سدراك و باقي زكي يوسف و كمال حسن على و محمد سعيد الماحى و إبراهيم الرفاعى وغيرههم من الشهداء والقادة الذين لا يزالون في مراكز قيادتهم رغم موتهم ، لم يعرفوا بعد ، ولا زالت وإلى الآن تظهر لنا نتائج قيادتهم .

ربما تتعجب أن أجمع بين عمر بن الخطاب و ستيف جوبز و سعد الدين الشاذلي في مقالة واحدة ، ولكنني لست من جمعهم حقيقة ، وإنما النبل الذي كان مزروعا في خلاياهم ، نبل جعلهم يفعلون ما يفعلون ليغيروا أوضاع دينهم أو عالمهم أو أوطانهم إلى الأفضل ، دون انتظار مقابل حتى وإن كان هذا المقابل هو حب الناس الذي اكتسبوه فعلا !!

هم ليسوا قادة فقط بل هم مبدعون ،فهم خلقوا ليصبحوا قادة لا رؤساء ، ليصنعوا لنا المقاييس لنقيس أنفسنا عليها لا أكثر ، أو لنحاول تقليدهم يوما ونبدع مقياسا آخر .

"الإبداع هو ما يفرق بين القائد والتابع"
ستيف جوبز

تحياتي

ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق