"أريد رجلا إذا كان بين القوم كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه واحد منهم"
قالها عمر بن الخطاب واصفا ولاته الذين يختارهم لتولي أمور المسلمين ، كان عمر يشرح صفة من صفات القيادة التي قلما توجد الآن ، هو أن القائد عادة ما لا يعرف بين الصفوف ، القائد يظهر فقط في نتائج قيادته ، وليس معنى ظهوره المادي إلا نهاية هذه القيادة !! .
عمر نفسه كان يتحلى بهذه الصفة ، فهو لم يُعرف رمزا للحكم العادل من خلال قصوره التي جلس فيها أو فرسه وحروبه التي قادها ، وإنما عرف من شجرة وحصيرة نام تحتها و ملابس مرقعة ذهب بها ليستلم مفاتيح القدس ، فقلده الناس في ملابسه المرقعة ولم يقلدوه في فتح القدس !!!!
قد يكون ما ألهمني هذه الكلمات هو موت هذا الرجل ، فرغم ولعي الشديد بأجهزة شركته ذات شعار التفاحة المأكولة ، ورغبتي الشديدة في إقتناء أحدها ، إلا أنني لم أعرف الرجل إلا منذ بضع شهور عندما سمعت عن خبر تنحيه عن رئاسة شركته !! .
لم يكن ستيف جوبز من محبي الأضواء ، ولم يكن اسمه بذات الشهرة التي عليها "بيل جيتس" مثلا في عالمنا العربي ، ربما لأننا ومنذ نعومة أظافرنا التكنولوجية ، تربينا على ما أتاحته لنا ميكروسوفت من برمجيات في متناول الأيدي ، وكان التنافس حميما بين ميكروسوفت ونفسها (بمبدأ إحتكاري أو قل بالتزكية) على برمجة عقول الجميع على برمجياتها المستحدثة. ولكن وعلى الضفة الأخرى ، كان هناك من يعملون بمنتهى الحب ، بمنتهى العشق ، بمنتهى الشغف ، بمنتهى الإبداع، يحاولون فقط ان يصنعوا الأفضل لا لبيعه ، وإنما لصنع الأفضل ، لم يعشقوا المنافسة ، ولم يدخلوها إلا لتحقيق إبداعتهم الشخصية ، لم يشتروا الشركات لإسقاطها ، وإنما لإحتياجهم لخبرات من فيها ، هؤلاء لم يعرفهم الكثيرون منا ، ربما لغلاء أسعار أجهزتهم التي تقتنى ولا تشترى ، أو لإنشغالنا بمندوبي دعاية ميكروسوفت الذين أقنعونا بأنهم بلا منافس، ورغم ذلك فكلنا كنا نقف وقفة تقدير واحترام وهيبة أمام هذه التفاحة المأكولة ، فقد كانت تعبر وبمنتهى البساطة عن أنها شيء مختلف و مصنوع من طينة أخرى !!! .
مات الرجل ، وربما لم نسمع إلا اليسير عن أفعاله ، أو لم نسمع منه إلا خطبة واحدة ، رحل كما رحل سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب أكتوبر المجيدة ، رحل ولم نسمع عنه بقدر ما سمعنا عن نتائج ما فعل ، رحل و لم نسمع منه وعود أو كلمات كما سمعنا من رئيس جلس 30 عاما في الحكم لم تخلوا نشرة اخبار من ذكره ، أو أي برنامج من تمجيد في إنجازته ، ولكن شتان بين تأثير القائد الحقيقي في ظهوره القليل ، وتأثير القائد المزيف في ظهوره الكثير .
رحل كما رحل الجمسي و عبد المنعم رياض و شفيق مترى سدراك و باقي زكي يوسف و كمال حسن على و محمد سعيد الماحى و إبراهيم الرفاعى وغيرههم من الشهداء والقادة الذين لا يزالون في مراكز قيادتهم رغم موتهم ، لم يعرفوا بعد ، ولا زالت وإلى الآن تظهر لنا نتائج قيادتهم .
ربما تتعجب أن أجمع بين عمر بن الخطاب و ستيف جوبز و سعد الدين الشاذلي في مقالة واحدة ، ولكنني لست من جمعهم حقيقة ، وإنما النبل الذي كان مزروعا في خلاياهم ، نبل جعلهم يفعلون ما يفعلون ليغيروا أوضاع دينهم أو عالمهم أو أوطانهم إلى الأفضل ، دون انتظار مقابل حتى وإن كان هذا المقابل هو حب الناس الذي اكتسبوه فعلا !!
هم ليسوا قادة فقط بل هم مبدعون ،فهم خلقوا ليصبحوا قادة لا رؤساء ، ليصنعوا لنا المقاييس لنقيس أنفسنا عليها لا أكثر ، أو لنحاول تقليدهم يوما ونبدع مقياسا آخر .
"الإبداع هو ما يفرق بين القائد والتابع"
ستيف جوبز
تحياتي
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق