يمكنك بسهولة اشتمام
تلك الرائحة ، رائحة ندم البعض على ما فات ، هذا الندم الذي ما يكاد يتحول إلى
شعور بالإحباط والكآبة الناتجة من استحالة تغيير تلك البداية ، فكما يقولون ، ليس
هناك طريقة لتصحيح البداية ، ولكن ما أعجب له هو إغفال هؤلاء النادمين عن قدرتهم
في تغيير النهاية ، ووقوعهم أسرى لهذا الشعور ، وإصرارهم أنه لا نجاح لهم ما داموا
قد أخطئت أقدامهم البداية الصحيحة ، وهي حقيقة بالقطع لا تمت للصحة بأي صلة ! .
ربما يفهم البعض ما
أردت الإلماح إليه ، فأنا أعلم كثيرا ممن يظن أننا قد أخطأنا الخطى في بداية
مرحلتنا الإنتقالية ، أعلم كثيرا ممن
يؤكدون أن رحيلنا عن الميدان وإيداع الأمر في يد المجلس العسكري هو خطأ فادح أصاب
ثورتنا في مقتل ، وآخرون يرون أن قبولنا بالاستفتاء أو تصوتنا فيه بنعم هو خطأ
أضاع كثيرا من أهداف ثورتنا ، ورغم ما يبدو عليه حسن نية هؤلاء من رغبتهم في إيضاح
الأخطاء لتصحيح المسار و ضمان عدم تكرار مثل هذه الأخطاء، لكنني أرى فيمن يتلقى كلماتهم
عدم إدراك لهذه الأهداف ، فمعظم من يرددون كلماتهم يظنون أن هذه الأخطاء لا سبيل
لإصلاحها إلا بإزاحتها من الأحداث ، وربما بإعادة الثورة نفسها لتجنب الوقوع في هذه
الأخطاء مرة أخرى !!! ، لم يدرك هؤلاء معنى إصلاح الخطأ بقدر إدراكهم لمعنى عدم
الوقوع فيه ، بالطبع أتفهم رغباتهم الثورية والتي ترى أننا في بداية بناء دولة ،
وعلينا أن لا نبنيها على الأخطاء ، ولكنهم تجاهلوا إن عدم قبول فكرة الخطأ في
بداية مرحلة كتلك قد توقعنا جميعا في دوامة لا خروج منها ، خاصة و نحن ندرك جميعا أننا ضحايا نظام لم يجعل منا كوادر قادرة على التعامل مع فترة استثنائية كتلك التي نعيشها بشيء من الوعي المطلوب ، فالخطأ متوقع من الجميع ، من جاهلنا حتى العالم
فينا ، وقبول هذا الخطأ والتعلم منه والتعامل مع مخرجاته هو حجر الزواية في هذه
الثورة ، كما أن المرونة الكافية لاستغلال هذه الأخطاء والقدرة على عكس تأثيرها هو
ما يؤهلنا لادراك النهاية التي نريد ، وليس الجمود أمامها لمحاولة إزالتها والتخلص
منها .
وهنا فعلى الجميع
ادراك هذه الحقيقة ، فالثورة كفعل لا يمكن تكراره الآن ، فالثورة التي قامت في
ثمانية عشر يوما لم تكن نتاج يوم أو يومين ، إنما كانت نتاج تراكمات لأخطاء وأفعال
للنظام القديم حفزت الجميع لمساندتها والمشاركة فيها ، ولا يمكن بسهولة تكرارها
لمجرد محاولة تجنب خطأ وقع في ما تبعها من أحداث ، وإنما الأوقع هو التعامل مع هذه
الأخطاء ، ومحاولة اكتشاف الحلول التي تساعدنا من استكمال طريق هذه الثورة في وجود
تلك الأخطاء.
إذن ما علينا الآن
هو النظر للمستقبل ، وليس الوقوع أسرى لأخطاء الماضي ، أتحدث ولست أؤكد أو آنفي
صفة الخطأ على أي حدث كان ، ولكنني أتحدث إلى كل من يرى أننا قد ارتكبنا أخطاء في
بداية خطوات تحولنا الديمقراطي ، وأطالبه أن يكف عن منازلة الجميع وتذكير الجميع
بأخطائهم ، فهذا الفعل ربما يكون كفيلا لارتكاب مزيد من الأخطاء ، ما أراه هو محاولة بذل هذا الجهد في دراسة أسباب
الوقوع في الخطأ و تهيئة المناخ لعدم حدوثها مرة أخرى ، وهذا لن يحدث بالتقربع
والتذكير دائما بأننا المخطئون الضعفاء الجبناء الذين لا يفهمون مصلحتهم أو مصلحة
بلادهم ، وإنما بالبناء على آثار هذه الأخطاء مهما بلغت درجة سوءها ، لإحالة ما
يفسد إلي ما يصلح ، وما يضعف إلى ما يقوي ، وما يحزن إلى ما يسعد.
لا يملك أحدنا
الحقيقة المطلقة ، ولن يستطع أي منا أن يجزم أنه من يسير على الصواب الكامل ، فكلنا
نتنافس في الوصول إلى ما ينفع بلادنا ، وإن إختلفت الطرق ، فلتكن إنتقاداتنا
لبعضنا هي مجرد تحذيرات قادمة ممن هو خارج المضمار ، ويرانا في الطريق الآخر ، ولا
تكن أحجار عاثرة نضعها في طرق بعضنا البعض ليوقف كل منا الآخر ، فهذا ليس في
مصلحتنا ، فإذا ما اكتشف أحدنا خطأ طريقه ، فلن يجد له ملاذا سوى الطريق الآخر
ليسير فيه ، خاصة إن كانت النهاية موحدة فيما بيننا.
تذكروا تلك الكلمة
الأخيرة ، خاصة إن كانت النهاية موحدة فيما بيننا
تحياتي
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق