السبت، 31 ديسمبر 2011

ثائر ومخبر وحرامي !! …


"إلى كل صادق ومخلص قال يوما فلم يُسمع … 
يكفيك صدقك و إخلاصك ليجعل من كلماتك كنزا سيعمل الآخرين يوما على اكتشافه …
أهديك آخر كلماتي لهذا العام المثير :) …‫"‬

لم تكن الثورة يوما إلا رواية، نعم مجرد رواية كتبها الثائر منفردا ، بل و سطّر بعض حروفها بدماء شهداءٍ صار واجبا عليه ألا يضيعها ، لكنه في الحقيقة لم يكن يدري وهو يكتبها أنها يوما ستُقرأ ، كانت كتابتها أو التخلص من خوفه من كتابتها هو هدفا لديه في حد ذاته ، هدفا لطالما سعى لتحقيقه يوما من الأيام ، ولكنه بعد كتابتها اكتشف شيئا لم يكن في الحسبان. فقد تناسى الثائر عامدا أو دون قصد قراء روايته ، أو ربما ظنهم على ذات ثقافته وعلمه الذي كتب به الرواية ، فإذ به يفاجأ بمن يتجاهلها ، وبمن يحرفها ، أو بمن يسئ وإلى حد كبير فهمهاهنا أصابت الثائر الحيرة ، وربما الغيرة على ما كتب ، نعم ، فهو كتبها لهؤلاء ، ولكنهم الآن يسيئون فهمها ، أراد أن يسحبها منهم ، أصابه الغضب فأخطأ بالتعالي عليهم ، اتهمهم بالجهل والتخلف ، جعل و بلا فهم يحيط روايته بالأسوار ، ظل يدافع عنها ويمنع الجميع من الإقتراب منها ، دون أن يدري أن لا قيمة لروايته ما دامت لم تصل إلى قرائه ، وما لم يفهمها الجهلاء الذين كتبها ليعلّمهم !! .


ولم يكن الحرامي يرى نفسه كما يراه البعض فاسدا ، ربما يعترف بكونه (حراميا، لكنه كان يرى نفسه ضحيةً لنظام سابق استخدمه ، فهو لم يسرق يوما جيوب الفقراء ، ولم يحاول يوما أن يهدم أحلام البسطاء أو أن يقهرهم ، وبالعكس فهو من كان يمد إليهم يد العون عندما يقسو عليهم رئيس عصابته الفاسد وبطانته !! . وجد الحرامي نفوذ رئيس عصابته -بعد سقوطهفي يديه بالإضافة إلى رواية الثائر مستجيرةً بقوته ، تحمل أحلام البسطاء و الفقراء ، كما تحمل خلاصه أيضا من ذل الإتباع ، ظنّها في البداية مكتوبة بلغته التي يفهمها ، فهو لم يعتد على الأنماط الجديدة ، لذا فمجرد رؤيته لرواية الثائر متناثرة في أوراق منفرطة العقد جعلته يتشكك فيها دون أن يقرأها ، وليس عجيبا أن يصبح تعليقه الأول عليها هو "إبقى جبلك كراسة ، ده مش غالية ده بنص جنيه !!" ، في رمزية إلي اللا نظام الذي كتب به الثائر روايته ، والتي كان يراها الثائر من أهم مميزاتها !!. يقرر حينها أن يضيف إلى الرواية ما ينظمها ، إضافةً رآها الثائر تدخلا سافرا في روايته أثارت غضبه ، يستغرب الحرامي من مراهقة الثائر وتعاليه عليه ، يتسآئل ألم يكتب هذه الرواية لأجلنا جميعا ؟، يحاول التقرب منه والتفاهم معه ، يرفض الثائر هذا التقرب ظنا منه أن مجرد الموافقة عليها هو خيانة لروايته ، يعمد إلى جعله عدوه الأول ، يقابله الحرامي بالمثل مرددا "مش كل اللي قراله كتابين ، يهد الدنيا ويبنيها" !!.

أما المخبر فهو من ‪جعل‬ من وجوده على جميع الأطراف شيئا طبيعيا ، فهو مرة مع الحرامي بكراسته ، ومرة مع الثوار بأوراقهم المستحدثة ، ساعة يلعن في جهل الحرامي ، وأخرى يلعن فيها فوضى الثائر ، فهو باحث عن مصلحته ، أو عن السلطة التي يمكن أن يمنحها إياه أي منهما عند انتصاره ، ولكنه في المقابل لا يريد أن يفقد مكاسبه من الآخر ، يحاول دائما إقناع الحرامي بحسن نوايا الثائر ، وعلى الطرف الآخر يقنع الثائر بمعرفة الحرامي وخبرته ، يذكر للثائر أنه بما لديه من خبرة في التعامل مع الحرامي قادر على تحقيق أهداف روايته ، وأن الحل في التوافق مع الحرامي لا التصادم معه ، يتشكك الثآئر فيه و يظنه متآمرا ، يسأله مستنكرا كم سيقبض لأجل ذلك ؟!، و يسأله هل هذه الصفقة ستضمن له ألا يتعامل مع الحرامي بعد الآن ؟ ، يغضب المخبر من عناده وعدم فهمه للغة التوافقات و المصالح المشتركة التي يعرضها فيقول :

تصدق بالله يا بيه
إنت عامل زي البهيمة
أيوة البهيمة اللي بترعى وبتشتغل
وأنا و (الحراميواحد راعي و التاني ديب
وطول ما معاك الراعي متخفش من الديب
اسمع كلام الراعي تأمن شر الديب

أما "مصر" فهي المتنازع عليها ، وهي التي تدفع الثمن غاليا ، هي من ترتمي في أحضان الثائر طالبة الحياة الجديدة وآملة أن يكون منه حملها الجديد ، وهي التي ترتمي في أحضان الحرامي طالبة الأمن والحماية ممن لا زالوا يتربصون بها و لا يفهمون إلا لغته ، وهي التي ارتمت على أقدام المخبر طالبة ألا يقسوا عليها في الضرب ، مدعيةً أنها حبلى من الثائر ، فيرتبك المخبر ، فهو قادم في الأصل ليعاقبها على سرقتها للرواية وتسليمها إلى الحرامي ، ولكنها الآن حبلى من الثائر ، فتختلط المشاعر لديه ، يحاول أن يسألها فيما بعد عن صدق كلامها فتنفي إدعائها على الثائر وتبرره قائلة :
"قلت خليها افترا بقى ، ما دام حضرة الصول بيفتري على بنت غلبانة قلت افترى أنت كمان على البيه !!"
وتختم حوارها معه قائلة :
"سقت عليك النبي متبقاش تضرب كده حد … مش عشان حاجة .. بس عشان الإنسانية‫"‬

تشتعل النيران بين الجميع ، الثائر من جهة ، والحرامي من جهة أخرى ، و في وسطهم المخبر الذي لا يفهم شيئا ، ولا يحاول الثائر حتى أن يُفهمه بقدر ما يحاول أن يستخدمه لاستعادة روايته ، تبدأ معركة فقأ العيون ، حيث لم يستطع أي منهما التوافق مع الآخر ، و لا أن يصّدر نظارته للآخر ، فيقرر كل منهما أن يفقأ عيني الآخر ، هذا بحرق روايته التي يرى فيها مستقبله ، وهذا بالتجرؤ عليه والتصادم معه مهددا أمنه ، النهاية ظلام موحش ، تملؤه مشاعر الحقد والإنتقام ، ظلام لن يضيئه إلا علما ووعيا وأخلاقا قد لا يملكها الحرامي بحكم طبيعة أفكاره المتحجرة ، و لكن من المؤكد أن الثائر يحملها في صدره وفي روايته التي كتبها يوما ، و التي لا زال يعجز عن إجابة استفسار المخبر عنها "إن كنت قد كتبتها مرة ، فلم لا تكتبها مرة أخرى" ؟!!

وإلى ذلك الحين ، وإلى أن يضئ ذاك النور في العيون ، و إلى أن تُطمس عيون العدالة راضية لتصبح عمياء لا تفرق بين ثائرا و مخبرا وحرامي ، وإلى أن يخرج كل منهم ما في جعبته ويقدمه للآخر راضيا دون خوف ، ستظل مصر راضية بقدرها ، متحملة كل الضربات التي يكيلها إليها المخبر تارة من أجل الحرامي وتارة من أجل الثائر ، وفي نهاية كل معركة تسأل أي منهما بكل عجز "عاوز حاجة تانية يا بيه ؟!".


"فيها إيه لو نبقى واحد …‬
ونغير في الأسامي ….‬
هييييييييييييييي ….. :)"‬

كل سنة ومصر و ولادها كلهم بخير

تحياتي
ش.ز





0 التعليقات:

إرسال تعليق