السبت، 28 يوليو 2012

رمضات ٨ : وأخر متشابهات ...



هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ

آل عمران ٧

يقف هاهنا بعض المتربصون ليقولوا : ها هو الله يقر في كتابه على تضارب بعض من آياته !!
ولهم نقول : لو علمتم المحكم لفهمتم المتشابه ، ولكنكم عجزتم عن الوقوف أمام المحكم فعمدتم إلى مهاجمة الدين في ما تشابه من آياته ، فما هو إلا جهلكم و زيغ قلوبكم !!

الأمر أشبه بطريقين لهما ذات النهاية ، أحدهم سهل ممهد نحو نهايته ، والآخر معوج صعب السير فيه نحو ذات النهاية ، فمن أراد حقا فهم الكتاب سار في السهل الميسر ، ومن لم يرد ، دخل في الصعب بغية الضلالةوالبعد عن الحق ، وهذا حال من ترك المحكم و أصر على فهم المتشابه !! .

وفي الحقيقة فالمحكمات هن أم الكتاب ، هن الأصل ، وما المتشابهات سوى الفروع التي لن يفهمها إلا من استقر لديه الأصل وفهمه فصار من الراسخين في العلم الذين إن فهموا تأويله ما زادهم فهمهم إلا إيمانا ويقينا بالله.

يقول الشعراوي :
"فالمحكم نزل للعمل به ، والمتشابه نزل للإيمان به "

فكلٌ من عند ربنا ، وكل فيه من محكم قوله ، وما هو إلا ضعف قدرتنا وعلمنا أن نفهم ما تشابه من آياته ، فالحكمة من وجود مثل هذه الآيات أشبه بمن يضع امتحانا فيضع كل أسئلته مباشرة مما شرح لطلابه عدى سؤالا قصد أن يشتبه عليهم حتى يعلم الأكثر منهم ذكاء وفهما ، فالحكمة هنا متممة لحكمة اختلاف البشر وعقولهم واتساع الإسلام لكل هذا وعدم أغفاله لأحدهم.

يقول القرضاوي :
وقد يسأل سائل بعد ذلك : لماذا جعل الله في كتابه (المتشابه) ولماذا لم يجعله كله محكما ؟!

والحق كما ذكرنا من قبل : أن من عرف طبيعة الغات – وبخاصة العربية – وما فيها من اختلاف الدلالات للألفاظ والجمل ، وتنوع الخطاب حسب مقتضى الحال ، ما بين الحذف والذكر ، والتقديم والتأخير ، والإيجاز والإطناب ، وما بين الحقيقة والمجاز ، والصريح والكناية ، والعموم والخصوص … إلخ.

وعرف طبيعة الإنسان باعتبارة مخلوقا مختارا عاقلا مبتلى بالتكليف ، وليس كالحيوانات العجماوات ، أو الجمادات المسخرات ، ولا كالملائكة المفطورين على الطاعات دون اختيار مهم ، وأن من شأنه أن يُعمل قواه وملكاته العقلية.

وعرف طبيعة الدين وطبيعة التكليف فيه ، وهو إلزام ما فيه كلفة ومعاناة ، لما فيه من صقل للإنسان في الدنيا وإعداده بهذا للخلود في الآخرة ، وترتيب الجزاد والثواب على هذه المعاناة.

وعرف طبيعة الإسلام الذي يخاطب أولى الألباب ، ويريد تحريك العقول لتبحث وتجتهد ، وتدرس وتستنبط ، ولا تركن إلي الدعة والكسل العقلي.

وعرف طبيعة البشر ، وتنوع أصنافهم ، ففيهم الظاهري الذي يقف عند حرفية النص ، وفيهم الذي يهتم بروح النص ، ولا يكتفي بظاهره ، فيهم من يُسلّ ، ومنهم من يؤوّل ، فيهم العقلاني، وفيهم الوجداني ، وكان الخطاب للناس جميعا ، فاقتضت الحكمة الله أن يسعهم خطابه ، وأن يودعهم من البينات والدلائل ما يرشدهم إلى الصواب ، ولكن بعد بحث وجهد ، حتى يرتقوا في الدنيا ، ويثابوا في الآخرة ، والله أعلم”

نعم فهو الكتاب الجامع المحكم ، أنزل لكل الناس ، فيه المحكم الذي لا يختلفون فيه ، وفيه المتشابه الذي تزيغ عنه قلوب بعضهم ، إلا من رسخ في العلم وأعمل عقله فعمل بالمحكمات وأعاد إليها المتشابه ففهمه وأطمئن قلبه.

تحياتي
ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق