الأربعاء، 15 أغسطس 2012

رمضات ٢٧ : ما ألفت بين قلوبهم ...


وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
الأنفال ٦٣


التوافق …

أظنكم قد سمعتم هذه الكلمة كثيرا في عامنا المنصرم ، و خاصة بعد ثورة وحدت قلوبنا على الظلم وعلى ما لا نريد ، لكنها فرقتنا على العدل وعلى ما نريد !

كنت أتسائل عن تكلفة حدوث هذا التوافق المنشود ، بين أفكار متضادة وأهداف مختلفة ، كم من التنازلات ستدفع من أجل انجازه ، وكم من الصفقات ستبرم من أجل تحقيقه ، الكل يتحدث عن الحل التوافقي الذي سيرضي الجميع ، عن المقابل الذي سيرتضيه الجميع فيما يتنازعون عليه ، أتأمل ، هل هذا ما يسمونه توافق ؟! ، وما يعني التوافق في نفوس لم تغير ما في قلوبها، وإنما نافقتها بما قبضته من ثمن أو منصب أو وعد وعدت إياه.

يقول الشعراوي :

ولم تكن المسألة في تأليف القلوب مسألة احتياج إلى مال؛ لأن المال لا يمكن أن يعطي الحب الحقيقي، ولذلك فهناك بين الناس ارتباط مصالح وارتباط قلوب، وارتباط المصالح ينتهي بمجرد أن تهتز أو تنتهي هذه المصالح، لكن ارتباط القلوب يتحدى كل الأزمات، وأنت لا تستطيع أن تجعل إنساناً يحبك حقيقة مهما أعطيته من مال؛ لأن الحب الحقيقي لا يشترى ولا يباع، إنما يشترى النفاق والتظاهر وغير ذلك من المشاعر السطحية. والعرب الذين ألف الله بين قلوبهم لم يكن يهمهم المال بقدر ما تهمهم الحمية والعصبية، فغالبيتهم يملكون الثروات، ولكن الفُرْقة فيما بينهم نابعة من الحمية والعصبية التي تجعل في القلوب غلاً وحسداً وحقداً؛ لذلك تنفعل جوارحهم. يقول الحق تبارك وتعالى:(ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: ٦٣].
وما دام الله سبحانه وتعالى له عزة فهو لا يغلب، وما دام حكيماً فهو يضع الأمور في مكانها السليم، والله سبحانه وحده هو القادر على أن يجعل القلوب تتآلف؛ لأن القلوب في يد الرحمن يقلبها كما يشاء، لذلك ندعو بدعاء رسول الله: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، فعن شهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة رضي الله عنها يا أم المؤمنين ما أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك). وسبحانه وتعالى يقول: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ)[الأنفال ٢٤]”

فالتوافق الذي لا ينشدون لا تحققه الصفقات ولا التنازلات ، التوافق هو تآلف وتفاهم بين قلوبٍ لو انفقوا ما في الأرض جميعا ما حققوه ، فقلوب العباد وأهوائهم في يد الرحمن يقلبها كيف يشاء ، فإن أراد الخير بقوم ألف بين قلوبهم فاجتمعوا على الحق فأرسوه ورن كان بعيدا عنهم ، وإن أراد الشر بقوم فرق بين قلوبهم ، وجعلها مختلفة الأهداف والأساليب ، فضاع الحق بينهم وإن أمام أعينهم و في وسطهم.

اللهم ألف بين قلوبنا ، ، وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور .

والسلام.
ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق