الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

إسلامي يريدها دولة علمانية ... علماني يريدها دولة الخلافة ... !!

في أوقات كتلك ، يحلو للكثير من المصرين التهكم وتراشق الاتهامات بأكثر مما يحاولون إصلاح سفينتهم وما يصيبها من صدع !!

في أوقات كتلك ينظر كل إلى الآخر ، وتعلوا نغمة تتردد في عقولهم من قبل أن تنطقها ألسنتهم ، نغمة "ألم أقل لكم ، فلتتحملوا نتيجة اختياركم" ، وكأن ما فعله الآخرون من خرق في السفينة لن يصيبهم بأي سوء ، أو كأن السفينة لن يغرق منها سوى من اختاروا غرقها فقط دون هؤلاء الأبرار الذين لم تلوث أيديهم بخرق السفينة .

في أوقات كتلك ينسى كل منا أن عليه جزء من المسئولية تجاه ما يختاره الآخر ، أنه قد يكون هو من يدفعه دفعا لاختياره ، أنه قد يكون – بقطع الماء عنه – هو من أجبره على خرق السفينة طلبا للماء !! ، ينسى البعض - إن لم يكن تناسيا متعمدا- أثر ما يفعل أو يقول على أفعال من أمامه ، وأن النتيجة ستكون هي غرق السفينة بمن فيها ، سواء كان بيدك أو بمجرد تركك لمعول الهدم في يد من أمامك !!

في أوقات كتلك قد يطلق علي البعض اسم "إخونجي" ، وأني من هؤلاء الأشرار الذين يريدون غرق السفينة !!.

في أوقات الصراع بين المعارضة والتأييد ، يحلو لي أن أذهب فالتقي من أعارضه ، لأتحدث معه ، لأوصل بيني وبين فكرته ، لأبحث عما يرأب الصدع الذي قد يزداد إلى حد الخصومة ، لا أعشق الجلوس في جلسات المعارضين والذين ينهالون ضربا في معارضيهم دون الاستماع إليهم أو إعطائهم الفرصة حتى للدفاع عن أنفسهم ! .

في هذه الأوقات ، لا أنصب نفسي حقا يعارضه الباطل ، ولكني إنصب نفسي باحثا عن الحق وسط جدال دائر ، وربما تلك الطريقة وهذا الإسلوب هو ما جعل بعضا من مناهضي الإخوان وفكرتهم يظنونني مؤيدا للإخوان دوما ، وأن يجعل الإخوان أنفسهم يظنونني لم أعارض غيرهم يوما !!

أذكر يوما أني قد عارضت الليبراليين وتوجهاتهم ، ورغبتهم في التشكيك في نتائج الصندوق لما رأوا من نجاح ساحق للإسلاميين من خلالها ، أذكر أني قد واجهتهم بضعفهم الذي يدارونه في تهكمهم على ما تفعله القوى الإسلامية ، أذكر أنني طالبتهم بتوفير بديل مناسب لمثلي الذي يريد ان ينتخبهم ، ولكنه حين نزل لينتخب لا يجد أمامه إلا الفلول أو الإخوان !!

أذكر حين أعلن الإخوان ترشيحهم للشاطر ولمحمد مرسي ، أنني تركت أحاديث النميمة والتنابذ ، وانطلقت لأعارض الإخوان في وجوههم ، ونقل وجهة نظري مباشرة إليهم ، عبر شبابهم وشيوخهم ، وحملتهم مسئولية سقوط الوطن في يد الفلول وأتباعهم بسبب سياسة تقسيم القوى الإسلامية بين الكثير من المرشحين الإسلاميين بدلا من محاولة تجميعها في يد واحدة يلتف حولها الجميع ، عارضتهم وأخبرتهم في وجوههم بأن شعبيتهم قد انحدرت لدى الجميع حتى لدى من هم ليسوا باتباعهم وكانوا يساندون وجودهم .

فعلت ذلك في الوقت التي اكتفى كل طرف بهمز الآخر ولمزه ، والتعالي عليه وسبابه ، واتهامه بالخيانة والعمالة  ، وبدلا من جذبه للحوار والتفاهم ، دفعه دفعا للعناد والتكابر ، لما رآه من استهزاء به وتخوين لنواياه !! .

لا زلت أعتقد أن لدينا مشكلة كبيرة في صفاء النوايا ، والتي إن صفت أحيانا ، فإنها تفتقر لطريقة التعبير عنها ، نحتاج وبقوة للصدق في التعبير عن هذه النوايا ، وعدم اخفائها ، بل ومناقشتها بموضوعية لدراسة أسبابها و دوافعها و مدى قابليتها للهبوط على أرض الواقع من تيه الخيال !!

أذكر أن صديقا مسيحيا قال لي يوما مهاجما الإخوان ومشروعهم : "أنهم يريدون أن يقيموا دولة الخلافة ؟!"

كان يسألني وهو لا يتوقع مني إجابة سوى الصمت أو الاعتراف بخطأهم أو تبرير يزيد من قناعته بمراوغة مناصري الإخوان وهروبهم من الاعتراف بالخطأ ، لكنني وبكل وضوح أجبته قائلا :
"وما لها دولة الخلافة ، وهل ساد العرب العالم إلا بدولة الخلافة !! ، وهل ساد العدل و المساواة والخير في مصر والشام وجزيرة العرب حتى وصل إلى الأندلس وأوروبا إلا في دولة الخلافة الأموية ، وهل أصبحت بغداد حاضرة العلوم والثقافة إلا في دولة الخلافة العباسية، ، و هل بنيت كنيسة بداخل دار حكم إلا في الباب العالي دار حكم الخلافة العثمانية !!"

لم يرد علي صديقي المسيحي ، لأنه كمثله من العرب ، العرب الذين لا يعون ما يحدث لهم الآن من تقسيم ، وأنهم الآن في الحقيقة دول انقسمت عن دولة عظيمة كانوا ينتمون إليها ، ألا و هي دولة الخلافة ، الدول العربية الآن كما هي دول الاتحاد السوفيتي بعد انقسامها ، دول متشرذمة ، يعمل الغرب الاستعماري على استمرار تشرذمها ، لضمان عدم ظهور قوة تنافسها ، العرب حمقى يزرع فيه الغرب الخوف مما يقويه خوفا على حقوق انسانٍ هو أول من ينتهكها !!.

لم يجلس طرفا واحدا من مناهضي الإخوان لمناقشتهم عن مفهومهم لدولة الخلافة ، النقاش أصلا كان مرفوضا ، أي خلافة اسلامية يريدون ، حدود وجلد للمجرمين ، ومنع خمور للسكارى ، أين حقوق المجرمين والسكارى ؟!! . وعلى الطرف الآخر لم يحاول الإخوان ولمرة واحدة تعميق فكرتهم في نفوس الآخرين ، ايضاح غايتها للوصول لدولة قوية تسود العالم كما كانت ، والبعد عن السطحية والحديث عن تطبيق الحدود ومنع الخمور ، وكأن الشريعة لم تقم إلا لمحاربة المجرمين والسكارى وليس لبناء الأمم !!

هذا هو عمق المشكلة ولبها ، غياب التواصل وغموض النوايا بل والتفتيش فيها ، أحيانا لا ألوم بعض الإسلامين الذين يظهرون وبفجاجة أكرهها دعمهم لمشروع إسلامي قد لا يعرفون أبعاده ، بقدر ما ألوم غيرهم ممن لا يظهرون وبوضوح رفضهم لأي مشروع إسلامي أي من كان منفذه ، ألومهم لأنهم بإخفائهم لنواياهم يضيعون من أوقاتنا الكثير للبحث عن توافق لن نصل إليه أبدا حتى تغرق السفينة بما فيها !!

أنتظر يوما تظهر فيه أجيالا جديدة من السياسين ، إسلاميين كانوا أو ليبراليين أو من أي فصيل فكري كان  ، أجيال أكثر صدقا في توضيح أفكارهم ، أكثر قوة في التعبير عنها ، أقل مراوغة وانتهازية واستغلالا ، أكثر طهرا وحبا لأوطانهم ، وأكثر كرها لأعدائها ، أجيالا لا تعلي الأفكار السياسية لمرتبة الأديان ، أجيالا لا تجد غضاضة في وجود إسلامي الفكر يرضى بجعل دولته علمانية واثقا في قوة دينه وقدرته على الإنتشار ، وفي نفس الوقت لا تجد غضاضة في وجود ليبرالي الفكر يريدها دولة خلافة اسلامية تعتمد الإسلام منهجا لبناء الأمم لا لهدمها وإعادتها لعصور قد خلت ، اجيال تتفق على الأهداف ولا تشغلها الوسائل !!

إلى ذلك اليوم ، لا يهمنى أن يتهمني البعض إخوانيا أو ليبراليا أو حتى بدعمي لدولة علمانية أو دولة الخلافة الإسلامية ، ما يهمني هو أن تكون نبدأ في بناء بلادنا لتكون دولة متقدمة قوية تسع الجميع ...

أكرر الجميع ...

تحياتي
ش.ز

0 التعليقات:

إرسال تعليق