فلنتحدث ولنقل شيئا ... بعد فترة صمت طويلة ... صمت متجمد ... لا يحمل ذرة واحدة من التفكير ... صمت ليس له مهمة غير الحفاظ على ما تبقى من ذخائر ...أو ما تبقى من كلام بداخلنا ... صمتنا الذي ينتظر أن يتغير أي شئ غيرنا ... أن نفتح عيوننا التي لم نغلقها أبدا ... بعد رمشة من أجفاننا لنرى شيئا جديدا ليس يؤلمنا ... الصمت في حد ذاته كان تغيرا ...لكنه لم يفيد ... ولم يزد شيئا عما يفعله الكلام ... صرنا نحمل كثيرا من الاضطراب و الخوف ... كما هي عادتنا ... لم نتأكد حتى الآن إن كنا حقا نستحق ... فلم نتحرك ... فُصامنا صار غائرا فينا ... شّوهنا ... فصرنا مذلولين نملك كرامة ... مرضى نملك أقوى وأصح جسد ... ولا تحاول أن تتعجب أو تفكر فيما أنت فيه ... دوائك الذي يسكن الألم ... يقبع في كل شئ حولك و أمامك ... وإن لم تأخذه .. فأنت وشأنك ... فلتتحمل الألم ... فللأسف ... لم يعد هناك علاج –تم تجربته- في مثل حالتنا ...
ولنكن أكثر وضوحا ... علاجنا يشبه الانتحار ... علاجنا هو أن نقف على قمة هذا الجبل العالي ... جبل نصرُنا الزائف ... هذا الجبل الذي لا تتسع قمته إلا لقدم واحدة ... وعلينا نحن أن نحافظ على توازننا على تلك القدم ... ووسط رياح هائجة تحيط بنا من كل مكان ... وعدم السقوط هو علاجنا الوحيد ... علاج مؤلم ... بل أكثر إيلاما من ألمنا الذي نعالج منه ... نطالب الكثير بمساعدتنا على الثبات ... بالوقوف في ظهورنا ... أو انتظارنا في الأسفل ...
لمداواتنا عند السقوط ... نحسب وبشدة ... إحداثيات الفشل واحتمالاته ... و ماذا سنفعل حين نسقط فيه ... غريب أننا لم نفكر يوما ماذا سنفعل بعد شفائنا ... وكيف سنكون ... لقد أعتدنا على المرض وأصبح رفيقنا ... أظننا سنشعر بالغربة من دونه ... ليس يأسا كما قد يظن البعض ... لكنه حالة من اللا رغبة في الشفاء ... الشفاء الذي يعني عدم الحاجة ...الشفاء الذي يعني القدرة على الوقوف بدون مساعدة ... الشفاء الذي يعني الاستغناء ... ونحن قوم أصبحنا لا نطيق الوحدة والاستغناء عن البشر... وأحيانا وغالبا نفضل عليه البقاء مع الأعداء بل ونحاول أن نعاملهم ... ونتوهم أنهم من الأصدقاء ... لم نفعل سوى أن زدنا مرضا جديدا في لائحة أمراضنا المتعددة ... الحاجة ... حاجتنا لأي شئ بجوارنا ... شئ مادي ملموس ...ليس كذلك الحق الذي يقف هناك ... وحيدا - كعادته – ينظر إلينا بحسرته ... حسرته التي نبادله إياها ... مشهدا يزيد من الألم ... لم نستطع أن نقف بجواره ..أو نؤنس وحدته ... كما لم يستطع هو أيضا ... أو هكذا توهمنا ... نفارق بعضنا ... تملؤ أعيننا بعضا من الدموع ... تشوبها شبهة دموع التماسيح ...مزيد الفصام والازدواجية ... وحزن على الأشياء التي بأنفسنا نرحل عنها ... وبأيدينا نقتلها... ولكن ببطئ ... سؤال جديد ... من فينا الذي يحتاج للمساعدة؟؟!! ...
أسئلة كثيرة لا زالت تطرح من هنا وهناك ... أسئلة كثيرة بحق ... أسئلة فاضت بها الأوراق حتى لم تدع مجالا ولا وقتا للإجابة ... الصمت هو ابلغ الإجابات حينها ... نعود إليه دائما مرة أخرى ... الصمت علاج غريب ... لا أدري من هذا الطبيب الذي وصفه لنا ... أعرف أن الكلام لم يعد يفيد ... خاصة عندما لا نجيده ...أعرف جيدا تلك الحقيقة ... ولذا أنظر في وجوه الصامتين ... فأراهم هم الأقدر على التغيير ...
ش.ز
0 التعليقات:
إرسال تعليق