مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿۵﴾
كم منا يحمل علما لا يفهمه ؟! ، وكم منا يحمل دينا لم يعرف أصوله ولا مبادئه ؟! ، وكم منا ينطبق عليه مثل الحمار الذي أطلقه الله على بني إسرائيل عندما حملوا التوارة فلم يعوا ما فيها ، وإنما جعلوا يتفاخروا بها ، وبحملهم لها دون حتى أن يطبقوا ما فيها.
وما فائدة العلم إن لم ينفع حامله، وما فائدة الدين إن لم ينظم حياة معتنقه ، ما فائدة الإستكثار منهما إلا التعب والنصب إلا إذا أثرت على حياته وأفكاره وأخلاقه ، يقول الشيخ عائض القرني :
" قال الخطيب البغدادي في كتاب اقتضاء العلم العمل : العلم كالكنز لا ينفعك إلا ما أنفقت منه، فإذا لم ينفعك العلم، فما هي الفائدة إذاً.
والرسول عليه الصلاة والسلام نعى على الذين لا يفهمون ولا يفقهون ولا يعملون بعلمهم نسأل الله العافية والسلامة، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال كما في سنن أبي داود : {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من أعراض الدنيا، لم يجد عرف الجنة، وإن عرفها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً } أو كما قال عليه الصلاة والسلام {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة }. وفي لفظ: {ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً }.
إنسان أتى يتعلم قال الله وقال رسوله للوظيفة،للشهرة، للسمعة، ثم لم يظهر عليه أثر العلم؛ حرام عليه أن يجد عرف الجنة، وهذا الحديث يبكي والله، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، وأن يمن علينا برحمته وفضله وعطفه وكرمه.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تعلم العلم ليجاري به العلماء، وليماري به السفهاء، فليتبوأ مقعده من النار } من تعلم العلم ليجاري به العلماء، أي ليدخل في حلبة العلماء وفي صراع مع العلماء، ومشاجرةٍ، ومناظرةٍ ساخنة، ومباحثة ليكون محسوباً على العلماء.
أو ليماري به السفهاء أي: يستهتر به في المجالس، ويماري به كل سفيه؛ فليتبوأ مقعده من النار."
فلا خير في تحصيل الشيء أو حمله من دون معرفة فيما سيستخدم أو معرفة نفعه ، فهم لم يخلق إلا لذلك ، وسيلة لتعمير الأرض ، وفائدة الناس ، وغير ذلك فهو حمل لا جدوى لنا من حمله ، وإنما أصبح حجة علينا في الآخر أمام ربنا !! .
" أرسل تلميذ إلى أبي حامد الغزالي سؤالا قال فيه لقد اشتغلت بالتحصيل حتى جمعت دقائق العلم، وأريد أن أعلم أي نوعها ينفعني غداَ ويؤنسني في الآخرة وأيها لا ينفعني حتى أتركه، فجاءت الإجابة على هئة كتاب.أيها الولد النصيحة سهل والمشكل قبولها لأنها في مذاق أهل الهوى مر. ولا يحسبن طالب العلم أن العلم بلا عمل سيكون نجانه وخلاصه فإن هذا اعتقاد الفلاسفة. ألا يعلم أن العلم بلا عمل يكون حجة عليه يوم القيامة، لأن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه. أيها الولد العلم المجرد لا يأخذ باليد فلا تكن من الأعمال مفلسا. ولا تكن كرجل شجاع في برية وعليه عشرة أسياف فهجم عليه أسد مهيب هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها، فكذا لو قرأ رجل مسألة علمية وتعلمها ولم يعمل بها، لا تفيده إلا بالعمل. أيها الولد لو قرأت العلم مائة سنة وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعدا لرحمة الله إلا بالعمل لقوله تعالى " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" وقوله "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا" وقال الحسن البصري يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ياعبادي ادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بقدر أعمالكم, وقال طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب.أيها الولد كم من ليلة أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب وحرمت نفسك من النوم فما كان الباعث على ذلك؟ إن كانت نيتك عرض الدنيا وتحصيل مناصبها والمباهاة على الأقران فويل لك ثم ويل لك، وإنكان قصدك إحياء الشريعة وتهذيب اخلاقك وكسر النفس الأمارة بالسوء فطوبى لك ثم طوبى لك. أيها الولد العلم بلا عمل جنون والعمل بغير علم لا يكون، واعلم أن علما لا يبعدك اليوم عن المعاصي ولا يحملك على الطاعة لن يبعدك غدا عن نار جهنم. فهذه نصيحتي فاقبلها مني لئلا يكون علمك خصمك يوم القيامة."
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ، وقلب لا يخشع ، ودعاء لا يستجاب له.
0 التعليقات:
إرسال تعليق